للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعقّب الإمام النوويُّ تحسينَ الترمذيِّ لهذا الحديث، فقال في " الخلاصة " فيما نقله عنه ابن حجر في "التلخيص الحبير " ١/ ٣٧٥ (١٨٤): «خالف الترمذيَّ الأكثرون فضعّفوا هذا الحديث» (١)، وقال ابن حجر عقبه: «وتخصيصه الترمذي بذلك دليل على أنَّه لم يرَ تصحيحه لغيره»، وقال الخطّابي في " معالم السنن " ١/ ٦٦: «وكان أحمد بن حنبل يرخص للجنب أنْ يقرأ الآية ونحوها، وكان يوهن حديث عليٍّ هذا، ويضعف أمر عبد الله بن سلمة، وكذلك قال مالك في الجنب: إنَّه لا يقرأ الآية ونحوها»، وقال الشافعيُّ في " سنن حرملة " فيما نقله ابن حجر في " التلخيص الحبير " ١/ ٣٧٥ (١٨٤): «إنْ كان هذا الحديث ثابتاً ففيه دلالة على تحريم القرآن على الجنب»، ونقل أيضاً أنَّه قال في " جماع كتاب الطهور ": «أهل الحديث لا يثبتونه» (٢)، ونقل ابن عدي في " الكامل " ٥/ ٢٨٠، و المزيُّ في " تهذيب الكمال " ٤/ ١٥٤ (٣٣٠١) عن شعبة أنَّه قال: «روى عبد الله بن سلمة هذا الحديث بعدما كبر»، وقال البيهقيُّ في " المعرفة " عقب (١١٠) معقّباً على كلام الشافعيِّ: «إنَّما توقف الشافعي في ثبوت الحديث؛ لأنَّ مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة، وإنَّما روى هذا الحديث بعدما كبر، قاله شعبة».

قلت: وهذا الاختلاف بين أقوال أهل العلم يرجع في ظاهره إلى أنَّ قسماً منهم اعتمدوا على ظاهر الإسناد فصححوا الحديث، والقسم الآخر اطلعوا على علة خفية في هذا الإسناد فذهبوا إلى تضعيفه، وقديماً قالوا: من يعلم حجة على من لا يعلم، وقبل أنْ نرجح أحد الطرفين لا بد من أنْ نبينَ حال عبد الله بن سلمة. وذلك أنَّ أهل العلم قد اختلفوا فيه، فقال العجلي في "ثقاته " (٨٩٨): «كوفيٌّ، تابعي، من ثقات الكوفيين»، ونقل المزي في "تهذيب الكمال " ٤/ ١٥٣ (٣٣٠١) عن يعقوب بن شيبة أنَّه قال فيه: «ثقة، يعد في


(١) ثم وقفت عليه في " الخلاصة " ١/ ٢٠٧ (٥٢٥) ولفظه: «قال الترمذي: حسن صحيح، وخالفه الأكثرون فضعّفوه».
(٢) كذا في " البدر المنير " ٢/ ٥٥٥ إلا أنَّه قال: «وإن لم يكن أهل الحديث يثبتونه».

<<  <  ج: ص:  >  >>