للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة" (١)، لذا قَالَ الإمام عَبْد الله بن المبارك: «ومن يسلم من الوهم، وَقَدْ وهّمت عائشة جَمَاعَة من الصَّحَابَة في رواياتهم للحديث» (٢).

قال ابن عبد البر: «الوهم والنسيان لا يسلم منه أحد من المخلوقين .. » (٣).

فإذا كان الرسول وهو المؤيد بالوحي قد نسي (٤)، فالنسيان في عوام الناس أولى، ومهما تثبّت الراوي، فالنسيان طارق ذهنه قادح حفظه، فهذا الأعمش على ما حباه الله من سعة الحفظ والتثبّت يقول: «سمعتُ من أبي صالح ألف حديث، ثم مرضتُ فنسيتُ بعضها» (٥).

ومن أشكال النسيان ما يطغى على مرويات الراوي، فيحدّث بكل حال على ما يعلق في ذهنه، وهذا يقال فيه غالباً: «مضطرب الحديث».

ومنه أنْ ينسى الراوي بعض الأحاديث فيذاكره بها تلميذه فلا يحفظها وينكرها، من ذلك ما جاء في " صحيح مسلم " عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد مولى ابن عباس: أنَّه سمعه يخبر عن ابن عباس قال: ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله إلا بالتكبير. قال عمرو: فذكرت ذلك لأبي معبد فأنكره، وقال: لم أحدثك بهذا، قال عمرو: وقد حدثنيه قبل ذلك» (٦).


(١) طبع مراراً بتحقيق سعيد الأفغاني.
(٢) " شرح علل الترمذي " ١/ ١٥٩ ط. عتر و ١/ ٤٣٦ ط. همام.
(٣) " التمهيد " ٤/ ٢٦٨.
(٤) لا يخفى أنَّ نسيانه فيه أحكام شرعية.
(٥) " الكفاية ": ٣٨٣.
(٦) صحيح مسلم ٢/ ٩١ (٥٨٣) (١٢١) ومن النفائس والدرر التي سطّرها النووي في شرحه لصحيح مسلم ما قاله في ٣/ ٧٣ عقب (٥٨٣): «قوله: أخبرني هذا أبو معبد ثم أنكره. في احتجاج مسلم بهذا الحديث دليل على ذهابه إلى صحة الحديث الذي يُروى على هذا الوجه، مع إنكار المحدث له، إذا حدّث عنه ثقة، وهذا مذهب جمهور العلماء من المحدّثين والفقهاء والأصوليين، قالوا: يحتج به إذا كان إنكار الشيخ له لتشكيكه فيه أو نسيانه أو قال: لا أحفظه، أو لا أذكر أني حدثتُك به ونحو ذلك، وخالفهم الكرخي من أصحاب أبي حنيفة ، فقال: لا يحتج به، فأما إذا أنكره إنكاراً جازماً قاطعاً بتكذيب الراوي عنه، وأنه لم يحدثه به قط، فلا يجوز الاحتجاج به عند جميعهم؛ لأنَّ جزم كل واحد يعارض جزم الآخر، والشيخ هو الأصل فوجب إسقاط هذا الحديث، ولا يقدح ذلك في باقي أحاديث الراوي؛ لأنا لم نتحقق كذبه».

<<  <  ج: ص:  >  >>