للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه أن ينسى الراوي بعض الأحاديث فيذاكره بها تلميذه فيحدث بها عن التلميذ، عن نفسه، من ذلك ما أخرجه الشافعي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمان، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله قضى باليمين مع الشاهد.

قال عبد العزيز: «فذكرت ذلك لسهيل، فقال: أخبرني ربيعة عني - وهو عندي ثقة - أني حدثته إياه ولا أحفظه» (١).

فهذا يبين بجلاء شدة وثوق الشيخ بتلميذه، ويبين ورع الراوي الذي لم يتوان عن إظهار عدم حفظه لذاك الحديث، بل لم يستنكف الرواية عن تلميذه، مثل هذا الأمر لا تجده في غير هذه الأمة. وقد كتب بعض أهل العلم كراساً في هذا المعنى (٢).

«فالذهول والسهو لا ينفك عنهما البشر، وليس هذا مما يغضّ من رفيع مرتبة العالم وجلالة قدره، والعالم لا ينجو من السهو في المسائل العلمية، فكيف في التحرير والكتابة!» (٣).

أيضاً «من طباع الناس أنَّ النفس البشرية لها إقبال وإدبار على حسب ما يعتريها من حزن أو فرح، أو مرض، أو قلة نوم وأرق، أو انشغال بالتفكير في أمر من الأمور، أو غير ذلك مما يجعل الراوي غير متهيئ ولا مُستجمع قواه للتحديث، وهذا ما يعبِّر عنه المحدِّثون بالكسل، وضده النشاط .. فربما ذكر المحدّث الحديث وهو في هذه الحال لمناسبة جرت لا على سبيل التحديث،


(١) " الأم " ٧/ ٦٢٧ ط. الوفاء.
(٢) انظر: " الكفاية ": ٣٨١.
(٣) مقدمة " ظفر الأماني ": ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>