للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالحق في اقتفاء آثارهم، ممن رزق البحث والفهم وإنعامَ النظر في العلم، بيان ما أهملوا، وتسديد ما أغفلوا، إذ لم يكونوا معصومين من الزلل، ولا آمنين من مقارفة الخطأ والخطل، وذلك حق العالم على المتعلم، وواجبٌ للتالي على المتقدم» (١). وإنَّ هذا الصنيع لأهل العلم في القديم والحديث أمرٌ منبعثٌ من تأصيل العلم وتجريده من الخطأ، قال الإمام الشافعي: «مَنْ تعلم علماً فليدقق فيه لئلا يضيع دقيق العلم» (٢). وهذا المنهج الذي أصله الإمام الشافعي - يرحمه الله - منهجٌ قديمٌ في التدقيق والبحث والنقد منذ عهد الرواية؛ لذا كان لكل قرن من قرون الرواية منهجه وأصوله وضوابطه على حسب المحيط الذي يحيط ذلك العصر والمستجدات التي تحف فن الرواية؛ لذا نجد القرن الأول كان كافياً لبيان صحيح السنة حتى لا تختل في القرن الذي بعدها، والنقد في القرن الثاني كان كافياً، وكذلك الثالث وهلم جراً. ومعلوم لدى النقاد أنَّ القرن الثالث الهجري كان العصر الذهبي في النقد والإعلال والتصنيف، ومن يمعن النظر في ذلك يجد أنَّ للمتقدمين إبداعات تخضع لها العقول، وإجادات تشهد بأنَّ علمهم مؤيدٌ من الباري سبحانه، ومما حصلوه في تلك المدة الزمنية أنَّهم دونوا الأحاديث في الكتب حتى قال البيهقي: «وهو أنَّ الأحاديث التي قد صحت، أو وقفت بين الصحة والسُّقْم قد دُوّنت وكُتبت في الجوامع التي جمعها أئمة أهل العلم بالحديث، ولا يجوز أنْ يذهب منها شيءٌ على جميعهم، وإن جاز أن تذهب على بعضهم، لضمان صاحب الشريعة حفظها، فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم، لم يقبل منه» (٣).

ومن ينظر في كيفية تلقي الصحابة، وحرصهم على ذلك يدرك مدى الاهتمام، ومدى حرص الصحابة على حفظ السنة من الخطأ في الحديث فقد دققوا غاية التدقيق، فهم أخذوا عن الرسول مشافهةً، وإذا سمعوا


(١) نقله الدكتور حاتم العوني في كتابه " المرسل الخفي " ١/ ٧ - ٨.
(٢) المدخل إلى السنن الكبرى: ٢٨٥ - ٢٨٦.
(٣) مناقب الشافعي ٢/ ٣٢١ للبيهقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>