كثيراً من كتب السنة التي بين أيدينا فيها من التصحيف والتحريف والسقط ما الله وحده عليم، وهذا أكبر أمر ضرني في هذا الكتاب لسنوات، ولربما حكمت على حديث على ضوء إسناد فلما راجعت المخطوطات والطبعات الحديثة؛ وجدت أنَّ تلك الأسانيد التي تم الاعتماد عليها بالترجيح كانت مصحفةً أو محرفةً، وقد ذكرت من ذلك أمثلة في ثنايا الكتاب، وأنا إذ أذكر هذا فلا أغفل قول الجاحظ:«ولربما أراد مؤلف الكتاب أن يصلح تصحيفاً أو كلمة ساقطة فيكون إنشاء عشر ورقات من حر اللفظ وشريف المعاني أيسر عليه من إتمام ذلك النقص حتى يرده إلى موضعه من اتصال الكلام»(١) فالتصحيفات الموجودة والتحريفات الكثيرة في الرواة والأسانيد لكثيرٍ من كتب السنة أخذت مني شطر الوقت، ولما كنت أعد فهارس متنوعة لكل كتاب من كتبي زدت في هذا الكتاب فهرساً للتصحيفات والتحريفات الواردة في الكتب؛ ليكون دليلاً على تصحيح نسخ الآخرين من تلك الكتب، وهو جزء من النصيحة، والله المستعان.
وهذا العمل لما كان في نقد أخطاء الرجال فقد نقدنا هذه الأخطاء، وبينا تلكم الهنات، وقد جرنا ذلك بالضرورة إلى بيان أخطاء كثير من الكتب وأخطاء كثير من المؤلفين، وهو أمرٌ أدت الضرورة إليه، ومعلومٌ أنَّ كلمة الحق لا تبقي لصاحب صاحباً وتدخلك مع من لست تعرف في صحبة ودٍّ لذلك قال ابن قتيبة: «ولعل بعض من ينظر فيما سطَّرناه، ويقف على ما لكتابنا هذا ضمَّنَّاه، يلحق سيءَ الظن بنا، ويرى أنَّا عمدنا للطعن على من تقدمنا، وإظهار العيب لكبراء شيوخنا وعلماء سلفنا وأنى يكون ذلك؟! وبهم ذُكرنا وبشُعاع ضيائهم تبصرنا وباقتفاء واضح رسومهم تميزنا، وبسلوك سبيلهم على الهمج تحيزنا، وما مثلهم ومثلنا إلا ما ذكر أبو عمرو بن العلاء. . . قال: ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ في أصول نخل طوالٍ. ولما جعل الله تعالى في الخلق أعلاماً، ونصب لكل قومٍ إماماً، لزم المهتدين بمبين أنوارهم، والقائمين