للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالاختلاط قد يطرأ على كثير من رواة الحديث النبوي، مما يؤثر على روايته فتصبح فيها علة، ومعرفة المختلطين من غيرهم أمر شاق على علماء العلل، فكان المحدّثون يسمعون الحديث من الراوي مراراً حتى يعرفوا هل خلط فيه أو لا، قال حماد بن زيد: «ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة؛ لأنَّ شعبة كان لا يرضى أنْ يسمع الحديث مرة» (١) أي: يعاود صاحبه مراراً. ومما يذكر في معاودة الراوي والسماع منه، ما حصل لمروان بن الحكم: أنَّه استدعى أبا هريرة وأجلس كاتبه أبا الزعيزعة خلف السرير دون أنْ يعلم أبو هريرة، و جعل يسأله وأبو الزعيزعة يكتب، فلما حال الحول، دعا مروان أبا هريرة وأجلس أبا الزعيزعة من وراء حجاب، وجعل يسأله عما سأله عنه سابقاً من ذلك الكتاب، فأجاب دون تقديم و لا تأخير (٢).

وأحياناً كان الناقد يدخل على الراوي ليختبره فيقلب عليه الأسانيد والمتون، ويلقنه ما ليس من روايته، فإنْ لم ينتبه الشيخ لما يراد به، فإنَّه يعد مختلطاً و يعزف الناس عن الرواية عنه (٣). قال الدكتور همام عبد الرحيم

: «ولكن بصيرة الناقد و يقظة المجتمع ليس لهما تلك القدرة التي تحدد ساعات بدء الاختلاط، إذ الاختلاط حالة عقلية تبدأ خفية ثم يتعاظم أمرها بالتدريج، وبين الخفاء والظهور يكون المختلط قد روى أحاديث تناقلها الثقات عن

الثقات، وما دروا أنهم أخذوها عن الثقة و لكن في اختلاطه» (٤).

وَقَدْ قسّم الْمُحَدِّثُوْنَ المختلطين من حَيْثُ تأثير الاختلاط في قبول


(١) " الجرح و التعديل " ١/ ١٥٦ المقدمة.
(٢) انظر: " المستدرك " ٣/ ٥١٠، و " تاريخ دمشق " ٧١/ ٢٥٣، و " سير أعلام النبلاء " ٢/ ٥٩٨، و " الإصابة " ٦/ ٢٧٧ (١٠٦٦٧) وانظر ترجمة أبي الزعيزعة في " تاريخ دمشق " ٢٢/ ٦٢.
(٣) انظر المثال على ذلك: " المحدّث الفاصل " (٤٠٨).
(٤) مقدمة " شرح علل الترمذي " ١/ ١٠٥ ط. همام.

<<  <  ج: ص:  >  >>