للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكونان متضادين ينفي أحدهما ما أثبته الآخر (١).

لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ وجدنا من أدلة الأحكام الشرعية قد بدت - لأول

وهلة - متعارضة من حَيْثُ الظاهر، والحقيقة أنَّهُ لا تعارض بَيْنَها؛ لذا كَانَ الإمام ابن خزيمة يَقُوْل: «لا أعرف أنَّهُ روي عن رسول الله حديثان بإسنادين صحيحين متضادان، فمن كَانَ عنده فليأت بِهِ حتى أؤلف بَيْنَهُمَا» (٢).

وَقَد تقاسم المحدّثون والأصوليون الاهتمام بهذا الجانب، وكرَّسوا لَهُ جزءاً لا يستهان بِهِ من طاقاتهم الفكرية؛ وذلك من خلال إشباعه بحثاً في مصنفاتهم. فالأصوليون ذكروه تحت باب " التعارض والترجيح " (٣)، وأما المحدّثون فَقَدْ خصوه بنوع من أنواع علم الْحَدِيْث أسموه مختلف الْحَدِيْث، تحدّثت عَنْهُ كتب المصطلح، وأفرده قسم مِنْهُمْ بالتأليف المستقل.

فإن كان الحديثان المتعارضان متماثلين في القوة، أو على أقل الأحوال صحيحين، فقد سلك الفريقان إزاء هَذَا الاختلاف الظاهري ثلاثة مسالك، هِيَ:

١. الجمع.

٢. النسخ.

٣. الترجيح (٤).


(١) انظر: " توجيه النظر " ١/ ٥٢٣.
(٢) " الكفاية ": ٤٣٢ - ٤٣٣.
(٣) انظر على سبيل المثال: " ميزان الأصول ": ٦٩٤ و ٧٣٢ تح د. محمد زكي عبد البر
و ٢/ ٩٧١ و ١٠٢١ تح د. عبد الملك السعدي، و " البحر المحيط " ٤/ ٤٠٦ فما بعدها،
و" شرح الكوكب المنير " ٤/ ٦٠٩ فما بعدها، و " إرشاد الفحول ": ٨٨٢.
(٤) فائدة: ظاهر عبارة ابن حجر في " النخبة " أنَّه يقصر " مختلف الحديث " على الحديث المقبول الذي عارضه مثله معارضة ظاهرية وأمكن الجمع، فقد قال: «ثم المقبول إنْ سلم من المعارضة فهو المحكم، وإنْ عورض بمثله، فإن أمكن الجمع فمختلف الحديث، أو لا وثبت المتأخر، فهو الناسخ، والآخر المنسوخ، وإلا فالترجيح ثم التوقف».
وأما ابن الصلاح فأدخل في مختلف الحديث ما أمكن فيه الجمع، وما لم يمكن مما قيل فيه بالنسخ أو بالترجيح " معرفة أنواع علم الحديث ": ٣٩٠ - ٣٩١ بتحقيقي، أفاده الشيخ محمد خلف سلامة في " لسان المحدثين " مادة: (مختلف الحديث).

<<  <  ج: ص:  >  >>