للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المسالك ليست اختيارية للمجتهد، بَلْ هِيَ واجبة حسب ترتيبها، فالمجتهد يطلب الجمع بوجه من الوجوه الممكنة من غَيْر تعسّف (١)؛ لأنَّ في الجمع إعمالاً للدليلين معاً، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما أو إهمالهما كليهما (٢).

وإذا لَمْ يمكن الجمع، فإن عُلِمَ تاريخ المتقدم من المتأخر قِيْلَ بالنسخ، والنسخ: رفع تعلق حكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه.

والناسخ: ما يدل على الرفع المذكور.

ويعرف النسخ بأمور:

- أصرحها: ما ورد في النص.

- ومنها: ما يجزم الصحابي بأنَّه متأخر.

- ومنها: ما يعرف بالتاريخ، وليس منها ما يرويه الصحابي الذي تأخر إسلامه معارضاً للمتقدم عليه؛ لاحتمال أنْ يكون سمعه من صحابي آخر أقدم من المذكور، أو يكون مثله فأرسله، فإن وقع التصريح بسماعه له من النَّبيِّ فينسخه بشرط أن يكون لم يتحمل عن النَّبيِّ شيئاً قبل إسلامه، فإن لم يعلم التاريخ صير إِلَى الترجيح بوجه من وجوهه المعتبرة (٣).

قال ابن رجب: «وأحمد كان شديد الورع في دعوى النسخ، فلا يطلقه إلا عن يقين وتحقيق، فلذلك عدل عن دعوى النسخ هنا إلى دعوى تعارض الأخبار والأخذ بأصحها إسناداً، فأخذ بحديث عائشة في المرأة، وبحديث


(١) وإنما شرطوا في مختلف الحديث أنَّه يمكن فيه الجمع بغير تعسف؛ لأنَّ الجمع مع التعسف لا يكون إلا بحمل الحديثين المتعارضين معاً، أو أحدهما، على وجه لا يوافق منهج الفصحاء، فضلاً عن منهج البلغاء في كلامهم، فكيف يمكن حينئذ نسبة ذلك إلى أفصح الخلق وأبلغهم على الإطلاق؟ ولذلك جعلوا هذا في حكم ما لا يمكن فيه الجمع، وقد ترك بعضهم ذِكْرَ هذا القيد اعتماداً على كونه مما لا يخفى. " توجيه النظر " ١/ ٥١٩ - ٥٢٠.
(٢) انظر: " مختلف الْحَدِيْث بَيْنَ المحدّثين والأصوليين والفقهاء ": ٢٨.
(٣) انظر: " نزهة النظر ": ٥٧ فما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>