للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس في الحمار، فبقي الكلب الأسود من غير معارض» (١).

وقد ذكر الحازمي (٢) خمسين وجهاً من وجوه الترجيح، وزاد عليها الحافظ العراقي فأوصلها إلى مئة وجهٍ أو تزيد (٣)، وأرجعها السيوطي إلى سبعة أقسام تندرج تحتها وجوه الترجيح (٤).

ثُمَّ إنَّ هَذَا التعارض إنَّما يَكُوْن متجهاً فِيْمَا إذا تساوى الدليلان من حَيْثُ القوة، أما إذا كَانَ أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً، فَلَا اعتبار بمخالفة الضعيف، إذ الضعيف غَيْر معتبر في نفسه، فكيف تستقيم معارضته لما هُوَ أقوى مِنْهُ؟

وقد كان حفاظ الحديث المتقدمون يردون الحديث الواحد من رواية الثقة إلى المحفوظ من السنن، ويجعلون من ذلك المحفوظ ميزاناً يزنون به رواية ذلك الثقة، فإن جاءت على خلاف المحفوظ جعلوا ذلك علة لها (٥)، يعلم ذلك من تتبع صنيعهم في إعلال كثير من الأحاديث التي هذه حالتها.

فجهابذة المتقدمين ممن لم يفصلوا متن الحديث عن سنده، ولا فصلوا هذين عن فقهه ومعناه، إذا جاءهم الحديث أول ما ينظرون إلى معناه هل هو موافق للشرع أم لا؟ ثم هل هو موافق للمحفوظ أم لا؟ فلعل راويه قد أخطأ فيه، أو وهم في متنه، أو خالف ما عند الناس.

ونقل ابن رجب عن الشافعي في الحديث الذي فيه المرأة والحمار والكلب قال: «إنه عندنا غير محفوظ، وردّه - أي الشافعي - لمخالفته لحديث عائشة وغيره؛ ولمخالفته لظاهر قول الله ﷿: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾» (٦).


(١) " فتح الباري " ٤/ ١٢٨ وانظر مناقشة ابن رجب للحديث.
(٢) انظر: " الاعتبار ": ١٤ - ٤٠ ط. الوعي و ١/ ١٣١ - ١٦٠ ط. ابن حزم، وتبعه على ذلك ابن الصلاح. انظر: " معرفة أنواع علم الحديث ": ٣٩١ بتحقيقي.
(٣) انظر: " التقييد والإيضاح ": ٢٨٦.
(٤) انظر: " تدريب الراوي " ٢/ ١٩٨ - ٢٠٢.
(٥) انظر: " تحرير علوم الحديث " ٢/ ٧٠٥.
(٦) " فتح الباري " ٤/ ١١٩، والآية في الانعام: ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>