للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث خيار المجلس إذ أخرجه ثم قال عقبه: «وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه» (١)، وحديث الأكل والشرب للصائم ناسياً في الفرض لم يخرجه وتكلم عن اجتهاده في خلافه (٢). أما صوم ستة من شوال فلم يخرجه، وذكر عدم شرعية صيامه (٣)، قال السيوطي: «وقد روى مالك حديث الخيار ولم يعمل به؛ لعمل أهل المدينة بخلافه، ولم يكن ذلك قدحاً في نافع راويه» (٤).

لذا اشترط جمهور المالكية للعمل بخبر الآحاد أن لا يَكُوْن مخالفاً لعمل أهل المدينة (٥) واحتجوا بِمَا قدمنا ذكره.

والحق أنَّ الْحَدِيْث إذا صَحَّ لَمْ يَكُنْ لأحدٍ كائناً من كَانَ أن يعارض بِهِ، والحجة في نقل المعصوم فَقَطْ، ثمَّ إنَّ أهل المدينة جزء من الأمة لا كلها، فَلَا ينبني عَلَى موافقتهم جواز مخالفة الأحاديث المقبولة (٦).

وَقَدْ فند أدلتهم ابن حزم من وجوه حاصلها:

١ - الخبر المسند الصَّحِيْح قَبْلَ العمل بِهِ، أحق هُوَ أم باطل؟ فإن قالوا: حق، فسواء عمل بِهِ أهل المدينة أم لَمْ يعملوا، لَمْ يزد الحقَّ درجةً عملُهُم بِهِ وَلَمْ ينقصه إن لَمْ يعملوا بِهِ، وإن قالوا باطل، فإنَّ الباطل لا ينقلب حقاً بعملهم بِهِ، فثبت أنْ لا معنى لعمل أهل المدينة أو غيرهم.

٢ - نقول: متى أثبت الله العمل بالخبر الصَّحِيْح؟ قبل أنْ يعمل بِهِ أم بَعْدَ العمل بِهِ؟ فإن قالوا: قَبْلَ أن يعمل بِهِ، فَهُوَ كقولنا. وإن قالوا: بَعْدَ أن يعمل بِهِ، لزمهم عَلَى هَذَا أنَّ العاملين بِهِ هم الَّذِيْنَ شرعوا الشريعة، وهذا باطل.

٣ - نقول: عمل من تريدون؟ عمل أمة مُحَمَّد ? كافة، أم عمل عصر


(١) " الموطأ " (١٩٥٨) برواية الليثي.
(٢) انظر: " الموطأ " (٨٤٩) برواية الليثي.
(٣) انظر: " الموطأ " (٨٦٤) برواية الليثي.
(٤) " تدريب الراوي " ١/ ٣١٥.
(٥) انظر: " إحكام الفصول " ١/ ٤٨٦ (٥١١) فما بعدها.
(٦) انظر: " مسائل من الفقه المقارن " ١/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>