للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُوْنَ عصر، أم عمل رسول الله ?، أم عمل أبي بكر، أم عمل عمر، أم عمل صحابي مخصوص من سكان المدينة؟ فإن قالوا: عمل الأمة كلها، فَلَا يصح؛ لأنَّ الخلاف بَيْنَ الأمة مشتهر، وهم دائمو الرد عَلَى من خالفهم، فلو كَانَتْ الأمة مجمعة عَلَى هَذَا القول فعلى من يردون؟! وإن قالوا: عمل عصر دُوْنَ عصر، فباطل أيضاً؛ لأنَّهُ ما من عصر إلا وقَدْ وجد فيه خلاف، ولا وجود لمسألة متفق عَلَيْهَا بَيْنَ أهل عصر واحد (١).

٤ - ونقول لَهُمْ: أهل المدينة الَّذِيْنَ جعلتم عملهم حجة رددتم بِهَا خبر المعصوم، اختلفوا فِيْمَا بَيْنَهُمْ أم لا؟ فإن قالوا: لا، فإنَّ " الموطأ " يشهد بخلاف هَذَا، وإن قالوا: نعم، قُلْنَا: فما الَّذِي جعل اتباع بعضهم أولى من بَعْض؟ (٢).

وقال الآمدي: «اتفق الأكثرون على أنَّ إجماع أهل المدينة وحدهم لا يكون حجة على من خالفهم في حالة انعقاد إجماعهم خلافاً لمالك، فإنَّه قال: يكون حجة .. والمختار مذهب الأكثرين، وذلك أنَّ الأدلة الدالة على كون الإجماع حجة متناولة لأهل المدينة، والخارج عن أهلها، وبدونه لا يكونون كل الأمة، ولا كل المؤمنين، فلا يكون إجماعهم حجة على ما عرف في المسائل المتقدمة .. . وعلى ما ذكرناه، فلا يكون إجماع أهل الحرمين مكة والمدينة، والمصرين: الكوفة والبصرة حجة على مخالفيهم، وإنْ خالف فيه قوم لما ذكرناه من الدليل» (٣)، وقال الزركشي: «ولا يضره عمل أهل المدينة بخلافه خلافاً لمالك، ولهذا لم يقل بخيار المجلس مع أنَّه الراوي له. قال القرطبي: وإذا فُسر عملُهم بالمنقول تواتراً كالأذان والإقامة والمُدّ والصاع، فينبغي أن لا يقع فيه خلاف، لانعقاد الإجماع على أنَّه لا يُعمل


(١) هَذَا تأسيس من ابن حزم عَلَى رأيه القائل بعدم إمكان الإجماع بَعْدَ عصر الصَّحَابَة . وهو رِوَايَة عن الإمام أحمد، وَقَالَ الشوكاني: «وهو ظاهر كلام ابن حبان في صحيحه». انظر
: " الإحكام " ٤/ ٥٣٩، و " إرشاد الفحول ": ٣٠٣ - ٣٠٤.
(٢) انظر: " الإحكام في أصول الأحكام " ١/ ٢٢٣ - ٢٣٦.
(٣) " الإحكام في أصول الأحكام " ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>