للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: فهذا الحديث إنما هو من أفراد يزيد بن عبد الله بن قسيط، وإنما له عن ابن المسيب بضعة أحاديث، غالبها موقوفات ومقاطيع، فأين كان الزهري وأضرابه حتى ينفرد عنهم راوٍ لم يشتهر بتلك الصحبة لابن المسيب، ثم إنَّ مثل هكذا أثر فيه حكم من أحكام أئمة الهدى، فلو صح لَضُربتْ إليه

أكبادُ الإبل من القاصي والداني، فكيف وقد عزف عن التحديث به مالك

، وقال الإمام الشافعي في " مسنده " عقب (١٦٦٧): «وقرأنا على مالك: إنا لم نعلم أحداً من الأئمة في القديم ولا الحديث قضى فيما دون الموضحة بشيء»، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار" ٧/ ١٠٠ - ١٠١ عقب ذكره لهذا الأثر: «هذا خلافُ ظاهرِ الموطأ»، وقال أيضاً مُعقِّباً على كلام عبد الرزاق: قلتُ لمالكٍ: إنَّ الثوريَّ … : «هكذا قال

عبد الرزاق: (يعني: يزيدَ بنَ قُسيط)، وليس هو عندي كما ظنَّ عبد الرزاق؛ لأنَّ الحارث بن مسكين ذكر هذا الحديث، عن ابن القاسم، عن عبد الرحمان بن أشرس، عن مالك، عمن حدثه، عن يزيد بن عبد الله بن قُسيط (١)، عن سعيد بن المسيب أنَّ عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف الموضحة … » إلى أنْ قال: « … وما كان مالكٌ ليقول فيه ما ظن عبد الرزاق به؛ لأنَّه قد احتَجَّ به في مواضع من موطئه، وإنَّما قال مالك: وليس الرجل عندنا هنالك في الرجل الذي كَتم اسمه، وهو الذي حدثه بهذا الحديث عن يزيد بن قسيط». انتهى كلامه وفيه نظرٌ من بعض الوجوه. فإنَّه احتج بعبد الرحمان بن أشرس وعبد الرحمان هذا مجهول؛ إذ قال عنه أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في " الجرح والتعديل " ٥/ ٢٦٧ (١٠٠٧): «مجهول»، وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" ٢/ ٥٤٨ (٤٨١٤): «مجهول الحال، وقال ابن الجنيد: ليس به بأس، وضعّفه الدارقطني».

هَبْ أنَّ حاله أقوى من هذا، فكفى بروايته ضعفاً ونكارة أنه خالف ثلاثة من الرواة أحدهم سفيان الثوري رووه بخلاف ما رواه. إذن فالصواب هو رواية الجماعة.


(١) تحرف في المطبوع إلى «قسيط، وعن سعيد .. ».

<<  <  ج: ص:  >  >>