للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استغنى في زمنه عن إعطاء المؤلفة قلوبهم، فترك ذلك لعدم الحاجة إليه، لا لنسخه، كما لو فرض أنه عدم في بعض الأوقات ابن السّبيل والغارم ونحو ذلك (١).

٢ - وأما اعتبار الناسخ هو قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: ٢٩] (٢) فغير صحيح، كما تقدم من كلام شيخ الإسلام؛ وذلك لأن تلك الآية مكية (٣)، وأما آية المؤلفة قلوبهم فهي مدنية (٤)، ومن شروط النسخ تأخر الناسخ عن المنسوخ (٥)، كما أنه لا تعارض بين الآيتين حتى نلجأ للنسخ، وهو لا يكون إلا مع التعارض، فمتى أمكن الجمع فلا نسخ (٦).

٣ - وأما اعتبار قوله - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ رضي الله عنه: "صدقه تُؤخذ من أغنيائهم فتُرَدّ في فقرائهم " (٧) ناسخًا، فمقتضاه نسخ بقية الأصناف من أهل الزكاة، ممن لم يتعرض له الحديث، كالعاملين عليها وابن السّبيل، وهذا باطل، وإنما الحديث لبيان أحد أخبرني مصارف الزكاة وأوصافها التي تختلف بها عن غيرها من الضرائب المالية (٨).


(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣٣/ ٩٤.
(٢) سورة الكهف (٢٩).
(٣) قال القرطبي في تفسيره (١٠/ ٣٤٦) في مطلع سورة الكهف: "وهي مكية في قول جميع المفسرين". اهـ.
(٤) قال ابن كثير في مطلع تفسيره (٢/ ٢٣٢) لسورة التوبة المتضمنة لآية الصدقات ما نصه: " هذه السورة الكريمة من أواخر ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول آخر آية نزلت {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النساء: ١٧٦]. وآخر سورة نزلت براءة {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: ١٢٨].
(٥) ينظر: البحر المحيط ٥/ ٢١٦، شرح الكوكب المنير (٤٦٢).
(٦) ينظر: البحر المحيط ٥/ ٢١١، شرح الكوكب المنير (٤٦٣).
(٧) تقدم تخريجه (ص ٤٤).
(٨) ينظر: ففه الزكاة ٢/ ٦٤٧.

<<  <   >  >>