الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشكره شكر عبد معترف بالتقصير عن شكر نعمه وأفضاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًّا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإنَّ الله خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وفرض عليهم فرائض عظيمة، منها فريضة الزكاة، وهي أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، تميزت بأحكام جليلة، ومسائل كثيرة، تتجدد صورها، وتتنوع وقائعها، مع تغير المعاملات المالية، وتطورات الحياة المادية، مما يستدعي العناية ببحث مستجدات هذه الفريضة العظيمة، وبيان أحكامها، فما كان مني إلا أن استعنت بالله، وخضت غمار البحث في نوازل الزكاة متطلّبًا الفائدةَ من مظانِّها، فألفيتُ تلك النوازل كثيرةَ الأصداف، متراميةَ الأطراف، ذاتَ غَوْرٍ بعيد، تستدعي الجهد الجهيد، فاجتهدت في بحثها، ولملمة شعثها، وحاولت - ما أمكن - العنايةَ بتأصيل النوازل، وتجنب الاستغراق في تفصيلات تطبيقاتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى خوض العلوم الأخرى من اقتصاد ومحاسبة، فكان التركيز على التأصيل الفقهي دون التفاصيل التي يطول معها البحث، وينقطع بها نَفَس الباحث، لا سيما مع طول الرسالة وكثرة مسائلها الفقهية.