للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ. . . " (١). فحب الدنيا والمال أصل من أصول الخطايا والذنوب، ومتى نجا المرء منهما ووقي الشّح فقد استحق الفلاح، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٩)} (٢).

وأما الأشِحَّاء البُخلاء، فقد قال تعالى فيهم: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠)} (٣).

يقول الفخر الرازي (٤): "والاستغراق في حب المال يذهل النفس عن حب الله، وعن التأهب للآخرة، فاقتضت حكمة الشرع تكليف مالك المال بإخراج طائفة من يده؛ ليصير ذلك الإخراج كسرًا من شدة الميل إلى المال، ومنعًا من انصراف النفس بالكلية إليه، وتنبيها لها على أن سعادة الإنسان لا تحصل بالاشتغال بطلب المال؛ إنما تحصل بإنفاق المال في طلب مرضاة الله تعالى، فإيجاب الزكاة علاج صالح متعين؛ لإزالة حب الدنيا عن القلب، فالله سبحانه أوجب الزكاة لهذه


(١) رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، في كتاب الجهاد، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله، برقم: (٢٨٨٦).
(٢) سورة الحشر (٩).
(٣) سورة آل عمران (١٨٠).
(٤) الفخر الرازي: هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، الإمام، الشافعي، ولد سنة ٥٤٤ هـ، صاحب كتاب التفسير الكبير، قال الذهبي عنه: وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه، فإنه توفي على طريقة حميدة، والله يتولى السرائر. وتوفي بهراة يوم عيد الفطر سنة ٦٠٦ هـ. [ينظر: الوافي بالوفيات (٢/ ٣٨)، طبقات المفسرين (١/ ٢٠) برقم (١١٩)].

<<  <   >  >>