للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأركان كالمقدمات له، فهو شبه طواف الزيارة في الحج، فإنه مقصود الحج، ومحل الدخول على الله تعالى وزيارته، وما قبله كالمقدمات له. قال: ولهذا "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ" (١)، وأفضل أحواله حالٌ يكون فيها أقرب إلى الله؛ ولهذا كان الدعاء في هذا المحل أقرب إلى الإجابة.

ولما خلق الله -سبحانه- العبد من الأرض، كان جديراً بألا يخرج عن أصله، بل يرجع إليه إذا تقاضاه الطبع والنفس بالخروج عنه؛ فإن العبد لو ترك وطبعه ودواعي نفسه، لتكبر وأشر، وخرج عن أصله الذي خلق منه، وتوثب على حق ربه من الكبرياء والعظمة، فنازعه إياهما، فأمر بالسجود خضوعاً لعظمة ربه وفاطره، وخشوعاً له، وتذللاً بين يديه، وانكساراً له، فيكون هذا الخشوع والخضوع والتذلل راداً له إلى حكم العبودية، ويتدارك به ما حصل له من الهفوة والغفلة والإعراض الذي خرج به عن أصله، فيمثل له حقيقة التراب الذي خلق منه، فيضع أشرف شيء منه وأعلاه، وهو الوجه فيه، وقد صار أعلاه، أسفله، خضوعاً بين يدي ربه الأعلى، وخشوعاً له، وتذللاً لعظمته، واستكانة لعزته، وهذا غاية خشوع الظاهر؛ فإن الأرض التي خلق منها مذللةٌ للوطء بالأقدام، وقد استعمره فيها، ورده إليها، ووعده بالإخراج منها، فهي أمه وأبوه، وأصله وفصله وعنصره، تضمه حياً على ظهرها، وميتاً في بطنها، وجعلت طهوراً له ومسجداً، فأمر بالسجود الذي هو غاية خشوع الظاهر، وأجمع العبودية لسائر الأعضاء (٢).


(١) فيما رواه مسلم (٤٨٢)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - " لابن القيم (ص: ٢٠٩ - ٢١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>