الحمد لله الذي شرح صدورَ أهل الحديث لمعرفة أدلة الأحكام، ونَضَّرَ وجوهَهم في القديم والحديث، فصاروا في الملة كمصابيح الظلام، وأراد بهم خيراً إذ فقههم في الدين، وألهمهم رشدَهم وشحذَ منهم الأفهام، وسلك بهم المحجة البيضاء، وبَتَّكَ بهم أهل البدع، فماتوا غماً وغيظاً، وأرغم منهم المعاطسَ وعالت بهم الآلام.
فكم من بدعة لهم زَيَّفوها، وضلاله لهم هَيَّفوها، وزلة كشفوها, ولم يبلغوا في الدين المرام، وكم من سُنةٍ أظهروها، وحكمة حَرَّروها، ومُحْدَثَة بَوَّروها، وشِرْعة طهَّروها، وجلَوا عنها بالبراهين الواضحةِ القَتام، وكم رموا بسهام شُهبهم الثاقبةِ مَرَدَةَ شياطينهم الراقبة فانخنسوا بشبههم اللاغبة في مهاوي هواهم ومخازي الظلام، فهم أئمة الهدى، ومصابيح الدجا، وحصنٌ لمن التَجا، وقدوة الأنام، قد بذلوا نفوسهم النفيسة، لغسل وجه السُّنة من كل بِدعة ودَسيسة، وفتشوا عن كل علة وتدليسة، وزلة محدَثة وخَصلة خسيسة، حتى ضحكت بهم السنة، وأسفرت بالابتسام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ضِدَّ ولا ندَّ ولا وزيرَ ولا مشير، تعالى الله وتقدس عما يقول الطعام، شهادةً أَدخرها لديه ليوم تُعض فيه البَنان، وتعبس فيه الوجوه، وتزل فيه الأقدام، وأشهد أن محمداً