عبده ورسوله وحبيبه وخليله، صفوة العالم وخلاصةُ بني آدم، وأفضلُ من حج وجاهد وزكى وصلى وصام، بعثه الله على حينِ فترةٍ من الرسل ووحشةٍ من الدين، وقد طبق الكفرُ الأنام.
فاليهود قد لهجوا بالمكر والتخليق، ونسبة الباري لما لا يليق، حتى يناجون الله الحي القيوم في صلواتهم بقولهم: تنبه يا نوم (١)، ومن مثل هذه الخرافات التي تنبو عن سماع مثلها الأفهام، وأعلنوا بنسبة الأنبياء والمرسلين والعظماء والصديقين إلى ما نزه الله مناصبهم العَلِيَّة، وعصمهم من كل زلة وأَذِيَّة، ومعضلة وبَلِيَّة، وطهرهم على الدوام.
والنصارى مع كفرهم الخبيث، دانوا بالشرك والتثليث، وكلا الطائفتين بدلوا وحرفوا، وضلوا وأضلوا، وانحرفوا عن الصراط المستقيم إلى طرق الضلال والظلام.
وبقية الناس كانوا حينئذ من بين عابد كوكب، ومن بين عابدِ جنيٍّ ونارٍ تَلَهَّب، فكل حزب قد اتخذ إلهَه هواه من الأوثان والأصنام.
فجاء هذا النبي الكريم، بالكتاب والحكمة والدين القويم، وهدى الخلق إلى الصراط المستقيم، وبين لكل فريق أن ما هم عليه أضغاثُ أحلام، لا بل ظلماتٌ بعضُها فوق بعض، إذا أخرجَ المرءُ يدَه لم يكدْ يراها لشدة الظلْمة وظلمة الأوهام، فجاهد في الله حق جهاده، ومهد قواعدَ الدين على وَفْق مُراده، ودخل الناس في دين الله أفواجاً بعد السبْي والسلْب والقتل والضرب والإقدام والإحجام، فانقشع ظلام الكفر وذلت أكباشُه، وانصدعَ ركنُ التثليث وولت أوباشُه، وتلألأ نورُ هدي في قلوب ذوي الاهتداء، واستعلن الحق من "فاران" وطبق الأغوارَ والأنجاد، والسهولَ