وكان - رضي الله عنه - كثيرَ العبادة، وَرِعاً، متمسكاً بالسنة على قانون السلَف.
ولم يزل بدمشق يحدثُ، وينتفعُ به الناسُ، إلى أن تكلم في الصفات والقرآن بشيء أنكره عليه أهل التأويل من الفقهاء والمتكلمين، وعُقد له مجلسٌ بدار السلطان، حضره القضاةُ والفقهاء، فأصر على قوله، فأُخرج إلى مصرَ، وأقام بها إلى حين وفاته.
وكان - رضي الله عنه - يصلي كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، دُعِي إلى أن يقول: لفظي بالقرآن مخلوق، فامتنع، فمُنع من التحديث بدمشق، فسافر إلى مصر، فأقام بها إلى أن مات - رضي الله عنه -.
وقال أبو عبد الله محمدُ بن مبارك الجويني المحدثُ: ما سمعت السلَفي يقول لأحد: الحافظ، إلا لعبد الغني المقدسي.
وقال بعض المصريين: ما كنا إلا مثلَ الأموات، حتى جاء الإمامُ الحافظُ عبدُ الغني، فأَخْرَجنا من القبور.
وقال أبو الحسن علي بنُ نجا الواعظ بالقَرافة - على منبره -: قد جاء الإمامُ الحافظُ عبدُ الغني، وهو يريد أن يقرأ الحديث، فأشتهي أن تحضروا مجلسه ثلاثَ مراتٍ، وبعدها أنتم تعرفونه، وتحصُلُ لكم الرغبة، فجلس أولَ يوم بجامع القَرافة، فقرأ أحاديث بأسانيدها، عن ظهرِ قلبه، وقرأ جزءاً، ففرحَ الناسُ بمجلسه فرحاً كثيراً، فقال ابنُ نجا: قد حصل الذي كنتُ أريدُه في أولِ مجلس، وبكى الناس حتى غُشِيَ على بعضهم.