للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وفي رواية) لمسلم من حديث ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (ولا تخمروا وجهه، ولا رأسه) (١). وفي لفظ آخر: "ولا تغطوا وجهه؛ فإنه يبعث يلبي" (٢).

قال في "شرح المقنع": اختلف عن الإمام أحمد في تغطية الوجه: فعنه: لا يغطى، نقلها عنه إسماعيل بن سعيد، وعنه: لا بأس بتغطية وجهه، نقلها عنه سائر أصحابه.


(١) قلت: فات الشارح -رحمه اللَّه- التنبيهُ على أمرين: أولهما: أن لفظ مسلم فيه تقديم وتأخير؛ إذ قال فيه: "ولا تخمروا رأسه ولا وجهه". ثانيهما: قال البيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ٣٩٣): وهو -أي: ذكر الوجه- وهمٌ من بعض رواته في الإسناد والمتن جميعًا، والصحيح: "لا تغطوا رأسه" كما أخرجه البخاري، وذكر "الوجه" فيه غريب. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (٤/ ٥٤): وفي كل ذلك نظر، فإن الحديث ظاهره الصحة، ولفظه عند مسلم من طريق إسرائيل، عن منصور وأبي الزبير كلاهما، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكر الحديث، قال منصور: "ولا تغطوا وجهه"، وقال أَبو الزبير: "ولا تكشفوا وجهه"، وأخرجه النسائي من طريق عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير بلفظ: "ولا تخمروا وجهه ولا رأسه". وأخرجه مسلم أيضًا من حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير بلفظ: "ولا يمس طيبًا خارج رأسه". قال شعبة: ثم حدثني به بعد ذلك فقال: خارج رأسه ووجهه، انتهى. وهذه الرواية تتعلق بالتطيب، لا بالكشف والتغطية، وشعبة أحفظ من كل من روى هذا الحديث، فلعل بعض رواته انتقل ذهنه من التطيب إلى التغطية. وقال أهل الظاهر: يجوز للمحرم الحي تغطية وجهه، ولا يجوز للمحرم الذي يموت، عملًا بالظاهر في الموضعين. وقال آخرون: هي واقعة عين لا عموم فيها؛ لأنه علل ذلك بقوله: "لأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"، وهذا الأمر لا يتحقق وجوده في غيره، فيكون خاصًا بذلك الرجل، ولو استمر بقاؤه على إحرامه، لأمر بقضاء مناسكه ... إلى آخر كلام الحافظ -رحمه اللَّه-.
(٢) تقدم تخريجه عند مسلم برقم (١٢٠٦/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>