للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميل) -بكسر القاف مضارع نَقَم بالفتح-؛ أي: ما يكره، وَيُنْكِرُ (١).

وفي "النهاية": أي: ما ينقم شيئًا من منع الزكاة إلا أن يكفر النعمة (٢)، ومن ثمَّ قال: (إلا أنّه)؛ أي: ابن جميل (كان فقيرًا، فأغناه اللَّه)، زاد في رواية البخاري: "ورسوله"؛ أي: من فضله بما أفاء اللَّه على رسوله، وأباح لأمته من الغنائم ببركته -عليه الصّلاة والسّلام-، والاستثناء مفرغ، فمحلُّ "أن" وصلتها نصبٌ على المفعول به، أو على أنّه مفعولٌ لأجله، والمفعولُ به حينئذ محذوف، ومعنى الحديث كما قاله غير واحد: أنه ليس ثَمَّ شيء ينقم ابنُ جميل، فلا موجبَ للمنع، وهذا مما يقصد العرب في مثله تأكيدَ النفي والمبالغةَ فيه بإثبات شيء، وذلك الشيء لا يقتضي إثباته، فهو منتف أبدًا، ويسمى مثل ذلك عند البيانيين: تأكيدَ المدح بما يشبه الذم، وبالعكس:

فمن الأوّل: قول الشاعر (٣): [من الطويل]

وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ ... بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِراعِ الكَتَائِبِ

ومن الثّاني: هذا الحديثُ وشبهُه؛ أي: ما ينبغي لابن جميل أن ينقم شيئًا إلا هذا، وهذا لا يوجب له أن ينقم شيئًا، فليس له ثَمَّ شيء ينقمه، فينبغي أن يعطي مما أعطاه اللَّه، ولا يكفر بأنعمه، فكأن غناه أدّاه إلى كفر نعمة اللَّه تعالى (٤).


(١) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٥٨).
(٢) انظر: "النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (٥/ ١١٠).
(٣) هو النابغة الذبياني، كما في "ديوانه" (ص: ٦٠)، (ق ٤: ١٩). وقد جاء في الأصل المخطوط: "قروع" بدل "قراع"، والصواب ما أثبت.
(٤) انظر: "إرشاد الساري" للقسطلاني (٣/ ٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>