للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخميس لخمس ليال خَلَوْنَ من ذي العقدة، فأقام بها ثلاثةَ عشرَ يومًا لقسمِ ما قسم، والجعرانة: ما بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب، واعتمر في ذي العقدة من الجعرانة، فدخل مكة، فطاف وسعى ماشيًا، وحلق، ورجع إلى الجعرانة من ليلته، كأنّه كان بائتًا بها -صلى اللَّه عليه وسلم- (١)، ولمّا انصرف من الطائف إلى الجعرانة (قسم) -صلى اللَّه عليه وسلم- (في النّاس) من الأعراب، و (في المؤلَّفة قلوبهم) من أهل مكة من صناديد قريش، فأوّلُ مَنْ أَعطى -صلى اللَّه عليه وسلم- من المؤلَّفة [أَبو] (٢) سفيان بن حرب، أعطاه أربعين أوقية، ومئة من الإبل، فقال: ابني يزيد؟ ويقال له: يزيد الخير، فأعطاه كذلك، فقال: ابني معاوية؟ فأعطاه كذلك، فأخذ أَبو سفيان وابناه ثلاث مئة من الإبل، ومئة وعشرين أوقية من الفضة، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه! لأنتَ كريمٌ في الحرب وفي السلم، لقد حاربتُك فَنِعْمَ المحاربُ كنتَ، ثم سالمتُك فنعمَ المسالم أنت، هذا غايةُ الكرم، جزاك اللَّه خيرًا (٣).

وأعطى حكيم بن حزام مئة من الإبل، ثمَّ سأله مئة أخرى، فأعطاه إياها، ثمَّ سأله مئة أخرى، فأعطاه، وقال له: "يا حَكيمُ! هذا المال خَضِرَةٌ حُلْوة، مَنْ أخذَهُ بسخاوة نفس، بوركَ له فيه، ومن أخذَهُ بإشرافِ نفسٍ، لم يُبارَكْ له فيه، وكانَ كالذي يأكلُ ولا يشبعُ، واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى"، فأخذ حكيم المئة الأولى، وترك ما عداها، وقال: يا رسول اللَّه! والذي بعثك بالحق! لا أَرْزَأُ -أي: أنقصُ- أحدًا بعدك شيئًا -أي: من ماله- حتّى أفارق الدنيا، فكان أَبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطايا، فيأبى أن


(١) انظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد (٢/ ١٥٤).
(٢) في الأصل المخطوط: "أبا" والصواب ما أثبت.
(٣) انظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (٢/ ٧١٤)، و"تاريخ دمشق" (٢٣/ ٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>