حتى صار ما هو عليه اليوم، خلا الزيادتين؛ فإنهما أُحدثا بعده، وكانت الكعبة في جانب المسجد، ولم تكن متوسطة، فهدم حيطان المسجد، واشترى الدور والمنازل، وأحضر المهندسين، وصَيَّرَ الكعبةَ في الوسط، وكانت توسعتُه الأولى في أول سنة إحدى وستين، والثانية في سنة سبع وستين ومئة، وهي السنة التي عمر فيها مسجد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فليس لأحد من الملوك في عِمارة المسجد الحرام مثلُ ما للمهدي.
وأما عبدُ الملك بنُ مروانَ، فإنما رفعَ جدرانه، وسَقَفَه بالسَّاج، وعمره ابنُه الوليد، وسقَفَهُ بالساج المزخرَف، وجعل من داخله الرخامَ.
وزيد فيه بعد المهدي زيادة دار الندوة بالباب الشامي، والزيادة المعروفة بزيادة باب إبراهيم بالجانب الغربي.
وكان إنشاء زيادة دار الندوة في زمن المعتضد العباسي، وابتدأ الكتابة إليه في سنة إحدى وثمانين ومئتين.
وكان عملُ الزيادة التي بباب إبراهيم في سنة ست وسبعين وثلاث مئة، كما ذكر ذلك أهلُ التاريخ، ومن اعتنى بأمور مكة ومسجدها الشريف، واللَّه الموفق (١).
(وفي رواية): أن عمر -رضي اللَّه عنه- قال: كنتُ نذرتُ في الجاهلية أن أعتكفَ (يومًا) بدلَ ليلةً (في المسجد الحرام) المكي -زاده اللَّه تشريفًا وتعظيمًا-.
(قال) -صلى اللَّه عليه وسلم- لعمر -رضي اللَّه عنه-: (فَأَوْفِ بنذرِكَ) الذي نذرتَهُ، ولو كان نذرُك له من مدة الجاهلية.
(١) انظر: "شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام" لأبي الطيب الفاسي (١/ ٣٥٩) وما بعدها.