أربعين سنة، فقال: ارفعْ رأسَكَ، فقد قبلتُ توبتَك، فقال: يا رب! إنّما أتَلَهَّفُ على ما فاتني من الطَّواف بعرشِكَ مع ملائكتِكَ، فأوحى اللَّه تعالى إليه: أنّي سأُنزلُ إليك بيتًا أجعلُه قبلةً، فأهبطَ إليه البيتَ، وكان ياقوتةً حمراءَ تلتهب التهابًا، وله بابان: شرقيٌّ وغربيٌّ، وقد نُظِمتْ حيطانُه بكواكبَ بِيضٍ من ياقوتِ الجنّة، فلمّا استقرَّ البيتُ في الأرض، أضاء نورُه ما بينَ المشرق والمغرب، فنفرت لذلك الجنُّ والشّياطين، وفزعوا، فارتَقَوا في الجو ينظرون من أين ذلك النّورُ، فلمّا رأوه من مكّة، أقبلوا يريدون الاقترابَ إليه، فأرسل اللَّه تعالى ملائكةً، فقاموا حولَ الحرم في مكان الأعلام اليوم، فمنعَتْهم، فمن ثمّ ابتدىء اسم الحرم.
* الثّاني: ما رواه وهبُ بنُ منبه: أنّ آدم -عليه السّلام- لمّا نزلَ إلى الأرض، اشتدَّ بكاؤه، فوضع اللَّه تعالى له خيمةً بمكّةَ موضعَ الكعبة قبل الكعبة، فكانت الخيمة ياقوتةً حمراءَ من الجنّة، وفيها ثلاثُ قناديل فيها نورٌ يلتهب من الجنّة، فكان ضوء نوره ينتهي إلى مواضع الحرم، وحرسَ اللَّه تعالى تلك الخيمةَ بملائكة، فكانوا يقفون على مواضع أنصاب الحرم يحرسونه، ويذودون عنه سكانَ الأرض من الجنِّ، فلمّا قبضَ اللَّه تعالى آدمَ، رفعها إليه.
* والثّالث: أنّ إبراهيمَ الخليلَ -عليه السلام- لما بنى البيتَ، قال لإسماعيل: أبغني حجرًا أجعلُه للنّاس آيةً، فذهب إسماعيلُ ورجعَ ولم يأتِه بشيء، ووجدَ الرُّكْنَ عندَهُ، فقال: من أين لك هذا؟ قال: جاء به مَنْ لم يَكِلْني إلى حَجَرِك، جاء به جبريلُ، فوضعه إبراهيمُ في موضعه هذا، فأنار شرقًا وغربًا، ويمينًا وشمالًا، فحرّم اللَّه الحرم حيث انتهى نورُ الرُّكن وإشراقُه من كُلِّ جانب.