ومن قال: تمتّع بأنه حلّ من إحرامه، فهو مخطىء باتفاق العلماء العارفين بالأحاديث.
ومن قال: إنَّه قَرَنَ؛ بمعنى: أنَّه طافَ طَوافين، وسعى سَعْيين، فقد غلط، ولم ينقل ذلك أحدٌ من الصَّحابة عن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكأنّ هذا وقع ممّن دون الصّحابة ممّن لم يفهم كلامَهم، وأمّا الصَّحابةُ، فَنُقولُهم متفقة (١).
الثاني: اختلف الفقهاء في القارن، هل يطوفُ طوافين، ويسعى سَعْيين، أم يكفيه طوافٌ واحدٌ وسعيٌ واحد؟
فمذهب الثلاثة: يكفيه طوافٌ واحد وسعيٌ واحد، وعملُ العمرة دخل في الحجّ كما يدخل الوضوء في الغسل.
ومذهب أبي حنيفة: أنَّه يطوف طوافين، ويسعى سعيين، يطوف ويسعى للعمرة أولًا، ثمّ يطوف ويسعى للحج ثانيًا، وإذا فعل محظورًا، فعليه فديتان.
وقد روي مثل هذا عن علي، وابن مسعود -رضي اللَّه عنهما-.
والأحاديثُ الصّحيحة تبيّن أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يطف ولم يسعَ إلّا طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا، كما في "الصحيحين" عن عائشة -رضي اللَّه عنها-، قالت: خرجنا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال:"مَنْ كانَ مَعَهُ هَدْي، فَلْيُهِلَّ بالحَجِّ مَعَ العُمْرَةِ، ثمّ لا يحلُّ [حتى يحلَّ] مِنْهُما جَميعًا".
وقالت فيه: فطاف الذين كانوا أَهَلُّوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، [ثم حلُّوا]، ثمّ طافوا طوافًا آخر بعدَ أن رجعوا من مِنًى لحجّهم،
(١) وانظر: فيما نقله الشارح -رحمه اللَّه- من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه اللَّه-: "مجموع الفتاوى" (٢٦/ ٦٢ - ٧٥).