وقال العلامة الشيخ مرعي في كتابه "تشويق الأنام في الحج إلى بيت الله الحرام"(١): قال الحربي: سميت زمزم، لزمه الماء، وهي صونه، وقال المسعودي: لأن الفُرسَ كانت تحجُّ إليها في الزمن الأول، فتزمزم عندها، والزمزمةُ: صوتٌ تخرجه الفرس من خياشيمها عند شرب الماء.
الثاني: في بدو شأنها:
قد ثبت في الصحاح من البخاري ومسلم وغيرهما، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: جاء إبراهيمُ بأم إسماعيل وابنِها إسماعيلَ وهي تُرضعه حتى وضعَها عند دَوْحَةٍ فوقَ زمزم، وليس بمكة أحدٌ، وليس بها ماء، ووضع عندهما جِرابًا فيه تمر، وسقاءً فيه ماء، ثم قَفَّى منطلقًا، فتبعته أمُّ إسماعيل، فقالت: أين تذهبُ وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟! فقالت له ذلك مرارًا، وجعل لا يلتفتُ إليها، فقالت له: اللهُ أمركَ بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذن لا يُضيعنا اللهُ، ثم رجعت، فانطلق إبراهيم، حتى إذا كان عندَ الثنية حيث لا يرونه، استقبلَ بوجهه البيتَ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات، ورفع يديه، فقال:{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} حتى بلغ: {يَشْكُرُونَ}[إبراهيم: ٣٧].
وجعلت أم إسماعيل تُرضع إسماعيلَ وتشربُ من ذلك الماء، حتى إذا نَفِدَ، عطشت، وعطش ابنها، وجعلت تنظرُ إليه يتلوَّى، أو قال: يَتَلَبَّطُ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقربَ جبلٍ في الأرض يَليها، فقامت عليه، فاستقبلت الواديَ تنظر هل ترى أحدًا؟ فلم تر أحدًا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الواديَ، رفعتْ طرفَ ذراعها، ثم سعت سعيَ
(١) له نسخة خطية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، تحت رقم (٩٠١٨ / خ)، وتقع في (٤١) ورقة.