للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا، فقوله: أصلّي الليل أبدًا: التأبيد قيد لليل، لا لأ صلّي، وقوله: ولا أتزوج أبدًا: أكد المصلي ومعتزل النساء بالتأبيد، ولم يؤكد الصيام؛ لأنه لا بد له من فطر الليالي، وكذا أيام العيد، ومجموع الروايتين يؤكد زيادة عدد القائلين عن الثلاثة؛ لأن تركَ أكلِ اللّحم أخصُّ من مداومة الصِّيام، واستغراق الليل بالصلاة أخصُّ من ترك النوم على الفراش، وإن أمكن التوفيق بضربٍ من التجويز (١) (فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -) بنصب النبي مفعول بلغ، والفاعل اسمُ الإشارة؛ أي: قولُ أصحابه ما قالوا، فجاء - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ "، (فحمدَ الله -تعالى-، وأثنى عليه) بما هو أهله، والثناء: تعداد المحامد وإعادتها (وقال) بعد الحمد والثناء: (ما بال)، أي: ما شأن (أقوام)

وما حالهم واهتمامهم، (قالوا: كذا؟) طريق الجمع بأنه جاء إليهم، فقال: أنتم القائلون: كذا كذا سرًا فيما بينه وبينهم، ثمّ أعلن ذلك جهرًا مع عدم تعيينهم، رفقًا بهم.

ثم قال كما في البخاري: "أما والله! "؛ أي: -بتخفيف الميم- حرف تنبيه "إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له" فيه إشارة إلى ردّ ما بنوا عليه أمرهم، من أنّ المغفور له لا يحتاج إلى مزيد العبادة، بخلاف غيره، فأشار بهذا إلى أنه أشدُّ خشية، وذلك بالنسبة لمقام العبودية في جانب الربوبية، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أنّه -مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة- أخشى لله، وأتقى من الذين يشددون، وإنما كان كذلك؛ لأنّ المشدد لا يأمن من الملل، بخلاف المقتصد، فإنه أمكنُ لاستمراره، وخيرُ العمل ما دام عليه صاحبُه، وقد أرشد إلى ذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: "المُنْبَتُّ لا أرضًا قطعَ،


(١) المرجع السابق، الموضع نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>