قامَ من الليل للصلاة، وحينئذ يعود إلى محش حديث أبي هريرةَ الأولِ، فالأولى عدمُ قيدِ: للصلاة؛ لأن النوم مقتضٍ لتغير الفم، والسواك آلةٌ التنظيف للفم، فيتأكد عندَ مقتضي التغير.
وهذا الذي يرشد إليه صنيعُ الحافظ؛ فإنه ذكر حديثَ أبي هريرةَ ليدلَّ على الإتيان بالسواك في ابتداء العبادة من الصلاة منطوقاً، ومثلُها الوضوء والقراءة والذكرُ ونحوُها. وحديثُ حذيفةَ ليدل على زوال التغير؛ فإن النوم مظنةُ تغير رائحة الفم، فيشمل طلب التسوك لسائر التغيرات من أكلِ ما له رائحةٌ كريهةٌ، ومن إطالةِ سكوتٍ، وصفرةِ أسنانٍ، ونحوِها.
وذكرَ حديثَ عائشة؛ ليدل على طلبه عند ختام الحياة؛ لأنه يُسَهِّلُ خروجَ الروح، ويُذَكِّر الشهادةَ، ويُطْلق اللسان، فيفصح بكلماتِ الذكر؛ فحملُ قيامه من الليل؛ لكونه للصلاة يفوِّتُ غرضَ الحافظ، والله أعلم.
(يَشُوصُ) -بضم المعجمة وسكون الواو، وبعدها صادٌ مهملة-.
(فاه) قال في "القاموس": الفاه والفوه بالضم، والفيه بالكسر [والفُوهة] والفم سواءٌ، والجمع: أفواه وأفمام، ولا واحد لها؛ لأن فماً أصلُه: فَوَهٌ، حذفت الهاء كما حذفت من سَنَةٍ، فبقيت الواو طرفاً متحركةً، فوجب إبدالها ألفاً؛ لانفتاح ما قبلها، فبقي فاً، ولا يكون الاسم على حرفين أحدُهما التنوين، فأُبدل مكانَها حرفٌ مشاكلٌ لها، وهو الميم؛ لأنهما شفهيتان، وفي الميم هُوِيٌّ في الفم يضارع امتداد الواو، ويقال في تثنيته: فَمَان وفَمَوان وفَمَيان، والأخيران نادران (١).