للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن بطال: حكمةُ النهي: أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه أمره، وهو نظير العافية من الفتن.

وقد قال الصديق الأعظم: لأَنْ أُعافى فأشكرَ أحبُّ إليَّ من أن أُبتلى فأصبرَ (١).

وقال غيره: إنما نهى عن تمني لقاء العدو؛ لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفوس، والوثوق بالقوة، وقلة الاهتمام بالعدو، وكل ذلك يباين الاحتياط والأخذ بالحزم.

وقيل: يُحمل النهي على ما وقع الشكُّ فيه في المصلحة أو حصول الضرر، وإلا، فالقتال فضيلة وطاعةٌ، ويؤيد الأولَ تعقب النهي بقوله - صلى الله عليه وسلم -: (واسألوا الله العافية) (٢).

قال ابن دقيق العيد: لما كان الموت من أشق الأشياء على النفوس، وكانت الأمور الغائبة ليست كالأمور المحققة، لم يؤمَن ألا يكونَ عند الوقوع كما ينبغي، فكُره التمني لذلك، ولِما فيه من أن يقع ما يخالف الإنسان ما وَعَدَ من نفسه (٣).

والعافية: من الكلمات الجامعة لكل خير من دنيوي وأخروي.

ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث الصديق الأعظم - رضي الله عنه - عند


(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر" (٢٨)، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٧/ ١٤٤)، وهناد بن السري في "الزهد" (٤٤٢)، وغيرهم، لكن عن مطرف بن عبد الله.
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن حجر (٦/ ١٥٦).
(٣) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (٤/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>