للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الجوزي: وأما العبيد والإماء والحيوانات، فإنها تكون ملكًا للغانمين دون الأنبياء، فلا يجوز للأنبياء أخذُ شيء من ذلك بسبب الغنيمة، بل بالابتياع والهدية ونحو ذلك، ومن هذا تسرَّى سليمان - عليه السلام - وغيره، فطابَ ذلك لنبّينا - صلى الله عليه وسلم -، فكان يأخذ الخمسَ، والصَّفِيَّ، ويتصرف فيه كيف شاء. هذا كلامه (١).

قلت: على أنه لا ينحصر ملكُ السراري والعبيد في الغنائم؛ إذ من الشرائع من كان يرى بيعَ نحو الأبناء، كما هو معروف، والله أعلم.

الثاني: فإن قيل: ما وجهُ اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بعموم البعثة، ومن المعلوم أن موسى- عليه السلام - لما بُعِثَ في بني إسرائيل، لو جاءه غيرُهم من الأمم يسألونه تبليغَ ما جاء به عن الله - عز وجل-، لم يَسُغْ له كتمه، مع ما قدَّمنا من خبر نوح وهلاك العالَمِ بدعوته، وما ذاك إلا لعموم رسالته؟

قلت: أما الجواب عن أمر سيدنا نوحٍ، فقدمنا ما يشفي ويكفي.

وأما الجواب عن الأول: فقد أجاب الإمام ابنُ عقيلٍ، فقال: إن شريعة نبينا جاءت ناسخةً لكل شريعةٍ قبلها، وقد كان يجتمع في العصر الواحد النَّبيَّان، والثلاثةُ، والأكثرُ، يدعو كل واحدٍ إلى شريعةٍ تخصُّه، ولا يدعو غيرُه من الأنبياء إليها، ولا ينسخها، بخلاف نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه دعا الكل، ونسخَه، وقال: "لو كان موسى حَيّا، ما وَسِعَهُ إلا اتِّباعي" (٢)، وما كان


= الأمة خاصة، واللفظ له.
(١) ولم أقف على كلامه هذا في شيء من كتبه المطبوعة، والله أعلم.
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٣٣٨)، وأبو يعلى في "مسنده" (٢١٣٥)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٧٦)، وغيرهم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>