للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوليد بن مسلم عن مالك (١)، وأنكر الإمام أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك.

وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين:

إحداهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعداً لمرضٍ يرجى برؤه، فحينئذٍ يصلون خلفه قعوداً.

ثانيهما: إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قائماً، ثم لم يطق القيام، لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً، سواءً طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً، أم لا، كما في الأحاديمث التي في مرض موته - صلى الله عليه وسلم -، فإن تقريره على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة؛ [لأنّ] (٢) أبا بكر - رضي الله عنه - ابتدأ الصلاة بهم قائماً، وصلوا معه قياماً، بخلاف الحالة الأولى، فإنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ الصلاة جالساً، فلما صلوا خلفه قياماً، أنكر عليهم.

ويقوي هذا الجمع: أن الأصل عدم النسخ، لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم دعوى النسخ مرتين؛ لأن الأصل في حكم القادر على القيام: ألا يصلي قاعداً، وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك يقتضي وقوع النسخ مرتين، وهو بعيدٌ، وأبعد منه: إنكار الإمام مالك كونَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أمَّ في مرض موته قاعداً، وهو في "الصحيحين"، من حديمث عائشة - رضي الله عنها -، قالت: اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليه ناسٌ من أصحابه يعودونه، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً، فصلوا بصلاته قياماً، فأشار إليهم أن اجلسوا،


(١) وهي رواية غريبة عن مالك، ومذهبه عند أصحابه على خلاف ذلك، كما قال ابن عبد البر في "التمهيد" (٦/ ١٤٢).
(٢) في الأصل: "إلا أنَّ".

<<  <  ج: ص:  >  >>