للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - ومن ذلك أن الأمر يختلف بحسب القدرة والعجز، فيجب على القادر مثلاً من واجبات الإيمان ما لا يجب على العاجز.

والخلاصة: أن ما يجب من الإيمان يختلف باختلاف نزول الوحي من السماء، وباختلاف حال المكلف في البلاغ وعدمه (١).

ويقول المصنف بعد ذلكم: "فمن المعلوم أن بعض الناس إذا أتى ببعض ما يجب عليه دون بعض، كان قد تبعض ما أتى فيه من الإيمان، كتبعض سائر الواجبات" (٢).

وكل هذه الأمور من الأدلة على أن الإيمان يتبعض، وأنه ليس كلاً لا تجزأ، وأنه يذهب بعضه، ويبقى بعضه، وأنه كذلك يزيد وينقص.

ويقول المصنف في موضع آخر: "وذلك أن أصل أهل السنّة أن الإيمان يتفاضل من وجهين: من جهة أمر الرب، ومن جهة فعل العبد.

أما الأول: فإنه ليس الإيمان الذي أمر به شخص من المؤمنين هو الإيمان الذي أمر به كل شخص، فإن المسلمين في أول الأمر كانوا مأمورين بمقدار من الإيمان، ثم بعد ذلك أمروا بغير ذلك، وأمروا بترك ما كانوا مأمورين به كالقبلة، فكان من الإيمان في أول الأمر الإيمان بوجوب استقبال بيت المقدس، ثم صار من الإيمان تحريم استقباله ووجوب استقبال الكعبة، فقد تنوع الإيمان في الشريعة الواحدة.

وأيضًا فمن وجب عليه الحج والزكاة أو الجهاد يجب عليه من الإيمان أن يعلم ما أمر به ويؤمن بأن الله أوجب عليه ما لا يجب على غيره إلا مجملاً، وهذا يجب عليه الإيمان المفصل، وكذلك الرجل أول ما يسلم إنما يجب عليه الإقرار المجمل، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها ويؤديها، فلم يتساو الناس فيما أمروا به من الإيمان، وهذا من أصول غلط المرجئة، فإنهم ظنوا أنه شيء واحد، وأنه يستوي فيه جميع المكلفين، فقالوا: إيمان الملائكة والأنبياء وأفسق الناس سواء، كما


(١) المصدر السابق (٣٩٦).
(٢) المصدر السابق (٣٩٧ - ٣٩٨).

<<  <   >  >>