للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: إنشاء الالتزام، كما في قوله تعالى: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، ولفظ الإقرار هنا ليس بمعنى الخبر المجرد، وإنما معناه إنشاء الالتزام بالإيمان بالرسول، والتعهد بنصرته، لأن الله عزّ وجلّ قال في أول الآية الكريمة: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} (١).

فتبين أن لفظ الإيمان فيه إخبار وإنشاء والتزام، مثل لفظ الإقرار، بخلاف لفظ التصديق المجرد، وهذا الفرق الأول في المعنى.

ومن الفروق في المعنى: ما ذكره شيخ الإسلام من أن لفظ التصديق إنما يستعمل في جنس الإخبار، فهو إخبار بصدق الخبر، كما أن التكذيب إخبار بكذب المخبر، والتصديق والتكذيب نوعان من الخبر، وهما خبر عن الخبر.

وأما لفظ الإيمان فإنه يستعمل في الحقائق، وفي الإخبار عن الحقائق، فالحقائق الثابتة في نفسها التي قد تعلم بدون خبر، لا يكاد يستعمل فيها لفظ التصديق والتكذيب، بخلاف لفظ الإيمان، وهذا الفرق الثاني في المعنى (٢).

ومن الفروق أيضًا: أن الذوات التي تحب تارة وتبغض أخرى، وتوالي تارة وتعادي أخرى، تختص بلفظ الإيمان، وأما لفظ التصديق فيستعمل في متعلقات هذه الذوات من الحب والبغض، والموالاة والمعاداة، وغير ذلك، فيقال: حب صادق، وبغض صادق.

ويدل على ذلك الدعاء المشهور عند استلام الحجر الأسود: "اللهم إيمانًا بك، وتصديقًا بكتابك، ووفاء بعهدك، واتباعًا لسنّة نبيك".

فقد قال: إيمانًا بك، ولم يقل تصديقًا بك، كما قال: تصديقًا


(١) المصدر السابق (٤١٤).
(٢) المصدر نفسه (٤١٥).

<<  <   >  >>