للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا فالإيمان كالصلاة، له أصل في لغة العرب، ولكن الشارع أضاف إليه أمورًا، وجعله بالقلب واللسان والجوارح.

وما دام أننا لم نكتف بمعرفة الصلاة في اللغة حتى ذهبنا لننظر معناها في الشرع، فكذلك الحال في الإيمان.

وحين نترك المعنى اللغوي للإيمان، ونرى معناه في القرآن، نجد أن الإيمان -كما يقول شيخ الإسلام- ورد فيه مقيدًا، أو مطلقًا مفسرًا، ولم يرد في القرآن أبدًا ذكر إيمان مطلق غير مفسر (١).

ومثال المقيد قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: ٣]، وقوله تعالى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ} [يونس: ٨٣].

فقد قيد الإيمان في الآية الأولى بالغيب، وقيد في الآية الثانية بموسى عليه السلام.

ومثال المطلق المفسر: قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: ٢]، وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥].

"وكل إيمان مطلق في القرآن فقد بين فيه أنه لا يكون الرجل مؤمنًا إلا بالعمل مع التصديق، فقد بين في القرآن أن الإيمان لا بد فيه من عمل مع التصديق، كما ذكر مثل ذلك في اسم الصلاة والزكاة والصيام والحج" (٢).

وعلى العموم فإننا إذا سلمنا أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فليس


(١) وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام يحمل على الغالب، وإلا فقد وردت آيات قليلة، ذكر فيها الإيمان مطلقًا، والسياق يوضح المراد من الإيمان، ومن هذه الآيات قول الله تعالى: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ} [البقرة: ٢٥٣]، فهنا أطلق الإيمان، لم يقيد أو يفسر بشيء.
وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [آل عمران: ١١٠].
(٢) الإيمان (١٠٥).

<<  <   >  >>