للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك دليلًا على أنه في الشرع كذلك -كما ذهب إلى ذلك الأشاعرة والماتريدية- فلئن كان الإيمان في اللغة هو التصديق، فهو تصديق مخصوص كما سبق، أو أن الشارع أضاف إليه أمورًا هي أعمال القلب واللسان والجوارح، فصارت هذه الأمور المجتمعة هي الإيمان الشرعي.

وفي ذلك يقول الحافظ ابن جرير الطبري رحمه الله بعد أن ذكر مذاهب الناس في الإيمان: "والصواب من القول في ذلك عندنا أن الإيمان اسم للتصديق كما قالته العرب، وجاء به كتاب الله تعالى ذكره خبرًا عن إخوة يوسف من قبلهم لأبيهم يعقوب: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} بمعنى: ما أنت بمصدق لنا على قيلنا، غير أن المعنى الذي يستحق به اسم المؤمن بالإطلاق هو الجامع لمعاني الإيمان، وذلك أداء جميع فرائض الله تعالى ذكره، من معرفة وقول وعمل" (١).

وقد ذكر الإمام ابن منده كلامًا قريبًا من ذلك وملخصه: أن الإيمان في اللغة هو التصديق، ولكنه في الشرع ما أمر الله به من اعتقاد وقول وعمل (٢).

والخلاصة: أنه من خلال ما سبق يظهر أن القول بأن الإيمان في اللغة هو التصديق قد يكون له أصل، ولكن الذي يترجح -والله أعلم- أن حصر معنى الإيمان في اللغة بالتصديق محل نظر، خصوصًا وقد ورد له عدة معانٍ أخرى في اللغة، ومناقشات المصنف رحمه الله تدل على هذا (٣).


(١) التبصير في معالم الدين (١٩٠).
(٢) الإيمان (٢/ ٣٤٧).
(٣) يقول رحمه الله في مجموع الفتاوى (٧/ ٦٣٦): "ولفظ الإيمان: قيل: أصله التصديق -وليس مطابقًا له، لا بد أن يكون تصديقًا عن غيب، وإلا فالخبر عن مشهود ليس تصديقه إيمانًا لأنه من الأمن الذى هو الطمأنينة، وهذا إنما يكون في المخبر الذى قد يقع به ريب؛ والمشهودات لا ريب فيها- فإما تصديق القلب فقط، كما تقول الجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية، وإما القلب واللسان كما تقوله المرجئة، أو باللسان كما تقوله الكرامية، وإما التصديق بالقلب والقول والعمل -فإن الجميع يدخل في مسمى التصديق على مذهب أهل الحديث. . - وقيل: بل هو الإقرار، لأن التصديق إنما يطابق الخبر فقط، وأما الإقرار فيطابق الخبر =

<<  <   >  >>