للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهوات، أو بسبب حب دينهم الذي كانوا عليه، وما كان يحصل لهم به من أموال وجاه ومناصب، لم يتبعوا الحق الذي جاءت به الرسل صلوات وسلامه عليهم أجمعين، وكانوا يرون في اتباع الرسل عليهم السلام ترك الأهواء المحبوبة إليهم، أو حصول أمور مكروهة إليهم، فمن أجل ذلك فهم يكذبونهم، بل ويعادونهم ويقاتلونهم.

وقد قال الله تعالى في محكم التنزيل عن فى عون وملإه: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٤)} [النمل: ١٣، ١٤].

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا} أي في ظاهر أمرهم، {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله، ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها (ظلمًا وعلوًا) أي ظلمًا من أنفسهم، سجية ملعونة، وعلوًا، أي استكبارًا عن اتباع الحق. . " (١).

وحين ذكر الله عن فرعون بعد أن أدركه الغرق أنه قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٩٠].

لم يكن مؤمنًا ولا مسلمًا، بل قال الله عزّ وجلّ له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} [يونس: ٩١] فوُصف بالمعصية والفساد، ولم يوصف بعدم العلم والتصديق في الباطن، كما قال تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (١٦)} [المزمل: ١٦].

أما إبليس فقد قال الله عزّ وجلّ عنه: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [البقرة: ٣٤].

فلم يصفه إلا بالإباء والاستكبار ومعارضة الأمر، لم يصفه بعدم العلم، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن الكفار في غير موضع أنهم كانوا معترفين بالخالق في مثل قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧].


(١) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٣٥٨).

<<  <   >  >>