للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلوا من يبغض الرسول ويحسده كراهة دينه مستلزمًا لعدم العلم بأنه صادق ونحو ذلك" (١).

إبطال هذا الأصل:

أولًا: إن هذا قول خالفوا به الحس والعقل والشرع وإجماع بني آدم من ذوي الفطر السليمة، والعقول المستقيمة.

فالحس والواقع، وكذلك العقل والشرع، تدحض هذا الأصل وتبطله.

فدليل الحس والواقع: أننا نشاهد كثيرًا من الناس -لا نشك في معرفتهم للحق، وعلمهم به، ولكنهم لا يتبعونه، بل ربما يعادونه، هذا أمر مشاهد، وأشهر من أن ينكر.

ومن هنا سميت الجاهلية، وهي تعني معنيين: عدم العلم، وعدم اتباع العلم.

ومنه قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: ٢٦].

فإن هذا من الجهل الذي هو عمل بخلاف العلم، حتى يقدم المرء على فعل ما يعلم أنه يضره، وترك ما يعلم أنه ينفعه، بسبب بغضه ومعاداته لغيره، وهو في هذه الحال ليس عديم العلم والتصديق بالكلية.

ودليل العقل: وهو أنه قد عرف في بدائه العقول السليمة أنه يمكن لأي إنسان -عقلًا- أن يعرف الحق وأن يعلم طريقه، ثم لا يتبع ما عرفه وعلمه من حق، ومن أنكر هذا كان مكابرًا أو مسفسطًا.

ودليل الشرع: أننا نجد عامة من كذب الرسل عليهم الصلاة والسلام قد علموا أن الحق معهم، وأنهم صادقون فيما جاءوا به، لكن بسبب حسدهم لهم، أو بسبب إرادتهم العلو والرياسة، أو بسبب الهوى وحب


(١) شرح حديث جبريل (٤٩٤).

<<  <   >  >>