للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونحوهم لم يكن أصله من جهة عدم التصديق والعلم، فإن إبليس لم يخبره أحد بخبر، بل أمره الله بالسجود لآدم فأبي واستكبر، وكان من الكافرين، فكفره بالإباء والاستكبار وما بتبع ذلك، لا لأجل تكذيب، وكذلك فرعون وقومه جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلمًا وعلوًا، وقال لموسى: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: ١٠٢] (١).

وفي كفر إبليس وفرعون واليهود أحد تفسيرين، كما ذكر المصنف:

أحدهما: تفسير الجهمية والأشاعرة، الذين يقولون: إن التصديق والعلم منتف تمامًا عند هؤلاء.

الثاني: أن هؤلاء قد علموا الحق وعرفوا صدقه، ولكن ما في قلوبهم من الحسد والكبر مانع من استسلام قلوبهم وانقيادها للحق ومحبتها له، وهذا هو التفسير الصحيح (٢).

شبهة متعلقة بهذا الأصل الفاسد:

وقد ذكر رحمه الله شبهة لهؤلاء، وملخصها:

أن من كان علمه وتصديقه تامًا أوجب استسلامه وطاعته مع القدرة، مثل الإرادة الجازمة تستلزم وجود المراد مع القدرة، فعلم أن المراد إذا لم يوجد مع القدرة، دل على أنه ما في القلب همة ولا إرادة، فكذلك إذا لم يوجد موجب التصديق والعلم من حب القلب وانقياده واستسلامه، دل على أن الحاصل في القلب ليس بتصديق ولا علم، بل هو شبهة وريب.

فهؤلاء -كما يقول المصنف رحمه الله- لا يتصورون أن يكون هناك تصديق باطن مع كفر قط (٣).

الجواب عن هذه الشبهة:

إن تشبيههم ذلك بالإرادة الجازمة تشبيه باطل، لأن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة مستلزمة لوجود المراد.


(١) شرح حديث جبريل (٤١٨).
(٢) المصدر نفسه (٤١٩).
(٣) المصدر السابق (٤١٩).

<<  <   >  >>