للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد مر كيف أن جمهور السلف قد أجمعوا على كفر تارك الصلاة، بل قد كفَّر كثير منهم تارك الزكاة والصيام والحج، فمن باب أولى أن الذي لم يعمل شيئًا مطلقًا كافر لا شك عندهم في كفره.

على أننا يحسن التنبيه في هذا المقام إلى مسألتين متعلقتين بموضوع ترك جنس الأعمال.

المسألة الأولى: ما يتعلق بحديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - وأرضاه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عزّ وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها".

فقال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثًا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة، تنجيهم من النار، ثلاثًا (١).

فهذا الحديث قد يفهم منه بعض الناس أنه مخالف لما سبق تقريره عن السلف في حكم تارك جنس الأعمال، ويعتقد أن الأمر بخلاف ذلك، فيراه مؤمنًا ناجيًا عند الله، مستدلًا بقول حذيفة - رضي الله عنه - في جوابه لصلة: يا صلة! ! تنجيهم من النار.

وفي الواقع إن الحديث ليس فيه ما يؤيد هذا الفهم الخاطئ، ولا


(١) رواه ابن ماجه برقم (٤٠٤٩) كتاب الفتن، والحاكم في المستدرك (٤/ ٤٧٣)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (١/ ٤٠٠)، وقال الحافظ في الفتح عن رواية ابن ماجه (١٣/ ١٦): سنده قوي.
وحكم عليه الشيخ، الألباني بأنه على شرط مسلم في سلسلته الصحيحة (١/ ١٢٧)، وهو في كتابه صحيح سنن ابن ماجه برقم (٣٢٧٣).

<<  <   >  >>