للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم ذكر رحمه الله ما أورده في كتاب "شرح حديث جبريل" من حديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه وتذريته، ظانًا أن الله لا يقدر على بعثه وإعادته، فأنكر قدرة الله عزّ وجل على الإعادة، وأنكر معاد الأبدان، وكلاهما كفر، ولكنه كان مؤمنًا بالله، مؤمنًا بأمره وخشيته، جاهلًا بذلك، ضالًا في ظنه مخطئًا، فغفر الله له ذلك (١).

فتبين أن حديث حذيفة - رضي الله عنه - يحمل على ما قاله شيخ الإسلام، ألا ترى أن صلة رحمه الله قد تعجب من مجرد قولهم لا إله إلا الله، وأن ذلك ينفعهم، لأنه قد رسخ في نفوس السلف رضوان الله عليهم أن الإيمان لا غنى له ولا قوام إلا بالعمل، أي أن جنس العمل لا يصح الإيمان إلا به، ولذلك تساءل صلة، فلما خفي عليه حكم بعض الحالات الاستثنائية وأراد تنزيلها على الأصل، بين له حذيفة - رضي الله عنه -، أن تلك حالة خاصة.

المسألة الثانية: ما ورد في بعض الأحاديث الدالة على خروج عصاة الموحدين من النار، وفي بعض الروايات أن الله عزّ وجلّ بعد أن تشفع فيهم الملائكة، ويشفع النبيون، ويشفع المؤمنون، يقبض أرحم الراحمين قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط: "فيخرجون منها كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه. . " (٢).

فقد جاء في الحديث: لم يعملوا خيرًا قط، وجاء فيه أيضًا: أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه.

وربما احتج بعض الناس على أن ترك جنس الأعمال ليس كفرًا، وفي الواقع كيف يمكن لمستدل بنص واحد أن يقف في وجه عشرات، بل مئات النصوص التي تأمر بالعمل، وتجعل من الأعمال ركنًا من أركان الإيمان لا يتم إلا به.


(١) المصدر نفسه (١١/ ٤٠٩).
(٢) هذه رواية مسلم، رواها برقم (١٨٣١) ١/ ١٤٥، كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.

<<  <   >  >>