للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى أن قوله في الحديث (لم يعملوا خيرًا قط) جريًا على ما تعارفت عليه العرب، واستعملته في كلامها، من نفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، لا لانتفائه نهائيًا (١).

وقد وردت تلك الصيغة في غير حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، منها الحديث الذي رواه النسائي وأحمد وابن حبان والحاكم، وأصله في الصحيحين، لكن ليس فيه: لم يعمل خيرًا قط، ولكنها ثابتة من الروايات الأخرى، في الرجل الذي لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، ويأمر غلمانه بالتجاوز عن المعسرين، وفي رواية عند الحاكم من حديث ابن مسعود: حوسب رجل، فلم يوجد له خير، ثم ذكر الحديث، وكيف أنه كان ينظر المعسرين، ويتجاوز عنهم.

ولفظ النسائي: (إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله تعالى، أن يتجاوز عنا، قلما هلك فال الله عز وجلّ له: هل عملت خيرًا قط؟ ، قال: لا، إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك) (٢).

والشاهد في هذا الحديث، قوله: لم يعمل خيرًا قط! ! فهل هذا النفي على عمومه، أي أن الرجل بالفعل ما صنع خيرًا أبدًا؟ .

أم أن النفي قد جرى مجرى الأغلب، فيقال لمن غلب شره خيره: فلان لا خير فيه! ! .


(١) التوحيد (٣٠٩).
(٢) رواه النسائي برقم (٤٦٩٤) كتاب البيوع، ورواه في سننه الكبرى (٤/ ٦٠)، وأحمد برقم (٨٧١٥)، وابن حبان في صحيحه برقم (٥٠٤٣) ١١/ ٤٢٢، وقال محققه: "إسناده حسن"، والحاكم في المستدرك من طريقين، إحداهما (٢/ ٢٨) على شرط مسلم كما قال، والأخرى على شرط الشيخين (٢/ ٢٩)، ووافقه الذهبي في كلا الطريقين.

<<  <   >  >>