والواقع أن الثاني هو المقصود بالطبع، كيف وقد صرح في الحديث بأنه كان يعمل الخير، وذلك حين كان يتجاوز عن المعسرين، وهذا من أعمال الجوارح، أو ما قام بقلبه حين كان يقول: لعل الله بتجاوز عنا، وهذه الكلمة تتضمن في طياتها خوفاً ورجاء، وهما من أعمال القلوب.
ولكن التساؤل المشكل الذي لا ينفك يطرح نفسه للنقاش، عند الحديث عن لزوم جنس العمل للإيمان، هو هل هناك حالات شاذة يضعف فيها إيمان القلب، حتى لا يستطيع التأثير على الجوارح؟ .
أو بمعنى آخر: هل يمكن أن يكون في القلب إيمان ضعيف للغاية، ولا يظهر له أي أثر على الجوارح؟ .
والجواب: أنه لا بد أن يظهر يومًا من الأيام أثر لذلك الإيمان الضعيف جدًا الساكن في القلب، ولو مرة واحدة، ولو لم يشعر بذلك أحد البتة.
ولكن نتيجة للضعف الشديد لذلك الإيمان يضعف أثره حتى لكأنما يصير معدومًا، ولكن محال أن لا يصدر عنه حركة، ولو يسيرة، ولو لم يشعر بها أحد.
ومعتقد السلف الصالح، ينكر هذا أشد الإنكار ونصوص شيخ الإسلام المتظافرة تجمع على أنه يستحيل أن يوجد إيمان مجزئ في الآخرة، ولا يكون له أي أثر على الإطلاق، ولكن أن يضعف التأثير، ويضعف بالتالي الأثر حتى لكأنه شبه المعدوم شيء آخر.
وزيادة في التوضيح "قد تحصل حالة شاذة خفية، وهي أن يضعف إيمان القلب ضعفًا، لا يبقى معه قدرة على تحريك الجوارح لعمل خير (على الأقل في الظاهر)، مثله مثل المريض الفاقد الحركة والإحساس، إلا أن في قلبه نبضًا، لا يستطيع الأطباء معه الحكم بوفاته، مع أنه ميئوس من شفائه، فهو ظاهرًا في حكم الميت، وباطنًا لديه هذا القدر الضئيل من الحياة الذي لا حركة معه"(١).