للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الحالات أضحت معروفة في عصرنا هذا، ووقع فيها نزاع بين الكثيرين من الفقهاء والأطباء في حكمها، هل يحكم على أصحابها بالموت، أم يحكم لهم بالحياة، ولكل منهما أحكام خاصة (١).

وقد تعود إلى بعض هؤلاء ملامح الحياة الواضحة، وإن كان ذلك في النادر القليل (٢)، ولكن الشاهد أنه كما توجد مثل هذه الحالة التي ذكرت آنفًا , فإنه قد توجد حالات شاذة يضعف فيها ما في القلب من الإيمان حتى لا يقوى على تحريك صاحبه على فعل خير، على الأقل في الظاهر.

وهناك مثال آخر، فقد تكون هناك شجرة قد قطعت أغصانها، فلم يبق منها سوى جذع يابس، كأنه خشب مغروس في الأرض، وقد تكون فيها حياة، ولكن لا أثر لها البتة، ولا يشعر بها أحد , ولكن بعد مضي عدة سنين، إذا بالجذع تخرج منه نبتة صغيرة، وتظهر فيه الحياة من جديد، وإن لم تعد الشجرة سيرتها الأولى.


(١) يقول د. مختار المهدي في بحث قدمه إلى مؤتمر الطب الإسلامي في الكويت، بعنوان: نهاية الحياة الإنسانية، واصفًا للمثال الذي ذكر أعلاه: "يكون هناك فقد كامل للوعي، يستمر هذا الإنسان في حياة يصفها البعض خطأ بالحياة النباتية، والبعض الآخر بالحياة الخلوية، وكلها تعبيرات غير دقيقة من الناحية العلمية، وقد يكون وصف (حياة جسدية) هو الوصف الأدق، ومن الناحية النظرية يمكن لإنسان من هذا النوع أن يعيش مدى حياة كامل على هذا الوضع، ويعتمد ذلك على مستوى كفاءة التمريض والرعاية الطبية وعلاج الأمراض العارضة والتي قد تصيبه نتيجة للرقاد الطويل وهذا المريض يحتاج إلى إطعام عن طريق أنبوب إلى المعدة بغذاء شبه سائل بنسب متوازنة، وعناية مستمرة بالجلد , وتقليب الجسد أو تغيير أوضاعه كل ساعتين تقريبًا لمنع قرح الفراش. . وإنسان مثل هذا يتنفس ذاتيًا، لأن جذع المخ سليم، ولكن حياة مثل هذا لا تكون إلا داخل مستشفى، وهي بالتأكيد كارثة اقتصادية، للتكلفة المادية الباهظة، وانعدام الأمل في عودة المريض إلى وعيه، وقد رأيت بنفسي إحدى هذه الحالات استمرت حياتها لمدة خمسة عشر عامًا على هذا الوضع في إحدى (أحد) المستشفيات الأوربية. . " مجلة مجمع الفقه الإسلامى (٥٦٥) العدد الثالث، الجزء الثاني (١٤٠٨ هـ- ١٩٨٧ م).
وانظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها (٣٤٢ - ٣٥٤) للدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، حيث رجح عدم اعتبار الإنسان ميتًا بمجرد موت دماغه.
(٢) المصدر نفسه (٦٨٥ - ٦٨٧).

<<  <   >  >>