للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقول أيضًا: "ولهذا دخل في إرجاء الفقهاء جماعة عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدًا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال، لا من بدع العقائد، فإن كثيرًا من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنّة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء، وغيرهم، وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببًا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، فلهذا عظم القول في ذم الإرجاء" (١).

ويقول أيضًا: "وحدثت المرجئة. . وكانت أخف البدع، فإن كثيرًا من النزاع فيها نزاع في الاسم واللفظ دون الحكم، إذ كان الفقهاء الذين يضاف إليهم هذا القول. . هم مع سائر أهل السنّة متفقين على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة. . وعلى أنه لابد في الإيمان أن يتكلم بلسانه، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة، وتاركها مستحق للذم والعقاب، فكان في الأعمال، هل هي من الإيمان؟ وفي الاستثناء ونحو ذلك، عامته نزاع لفظي. . " (٢).

وبعد تأمل النصوص السابقة، وغيرها يظهر ما يلي:

أولًا: أن علماء السلف رضوان الله عليهم أجمعين قد اشتد نكيرهم على المرجئة، وبالغوا في ذمهم والتنقير منهم.

"والقضية التي لا ينبغي أن تفوتنا هي أن كلمة المرجئة في اصطلاح هؤلاء العلماء إنما تعني هذا الإرجاء -أي إرجاء الفقهاء- وظل هذا قائمًا حتى بعد ظهور الجهمية. . فكل ذم أو عيب قيل في المرجئة، فهو منصرف لهم وحدهم حتى منتصف القرن الثاني تقريبًا، بل هو الأغلب إلى القرن الثالث" (٣).


(١) المصدر السابق (٣٠٨).
(٢) مجموع الفتاوى (٢١٣/ ٣٨).
(٣) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (٢/ ٣٨٠).

<<  <   >  >>