للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أنه ليست سعادته في أن يكون عالمًا بالله مقرًا بما يستحقه، دون أن يكون محبًا لله عابدًا لله مطيعًا لله، بل أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، فإذا علم الإنسان الحق وأبغضه وعاداه كان مستحقًا من غضب الله وعقابه ما لا يستحقه من ليس كذلك، كما أن من كان قاصدًا للحق طالبًا له -وهو جاهل بالمطلوب وطريقه- كان فيه من الضلال، وكان مستحقًا من اللعنة -التي هي البعد عن رحمة الله- ما لا يستحقه من ليس مثله.

ولهذا أمرنا الله تعالى أن نقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٦ - ٧]، والمغضوب عليهم علموا الحق فلم يحبوه ولم يتبعوه، والضالون قصدوا الحق لكن بجهل وضلال به وبطريقه، فهذا بمنزلة العالم الفاجر، وهذا بمنزلة العابد الجاهل، وهذا حال اليهود فإنهم مغضوب عليهم، وهذا حال النصارى فإنهم ضالون. . " (١).

بل إن المصنف -كعادته دائمًا- حين يقارن بين المذاهب والنحل والأديان والفرق، ويذكر أيها أقرب إلى الحق، ينتقد الفلاسفة انتقادًا عنيفًا، ويقول عنهم: إنهم أسوأ حالًا من اليهود والنصارى، لأنهم جمعوا بين جهل النصارى وضلالهم، وبين فجور اليهود وظلمهم.

ثم يُذكِّر أن هؤلاء الفلاسفة بمعزل عن العلم الإلهي الذي تنال به السعادة، الذي جاء به الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وأن جهلهم أكبر من علمهم، وضلالهم أكبر من هداهم (٢).

ومن المسائل الهامة التي عرض لها المصنف خلال مناقشته، مسألة وجود الله، التي يسميها الفلاسفة واجب الوجود، ولم يفته -وهو العالم المنصف- أن يذكر أن كلامهم في هذا المقام لم يخل من بعض الحق رغم قلته، ولكن الباطل فيه أكثر، والفساد عليه مهيمن.


(١) المصدر السابق (٤٩٨).
(٢) المصدر السابق (٤٩٨).

<<  <   >  >>