للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصنف: "فمن الإحسان: أن يحسن الطالب ظنه بمن يتعلم منه العلم، أو يسمع عليه الحديث، لينال بذلك بركة العلم، فقد كان بعض المتقدمين إذا خرج إلى شيخه تصدق في طريقه بشيء من المال، وقال: اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه مني" (١).

إن إحسان الظن بالمعلم أو الشيخ لمن الإحسان في العلم، وكيف يرجو طالب النفع والبركة في العلم، وهو سيئ الظن بشيخه، رديء الاعتقاد فيه، وليس معنى هذا أن يهرع الطالب إلى كل من قيل عنه: شيخ، ويتعامى عن بدعه ومخالفاته، بحجة حسن الظن بالشيخ، وحسن الظن في هذا المقام ليس هو ما يعنيه المتصوفة حين يقول بعضهم: كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي المغسل (٢)، ولكنه اختيار المعلم الصالح، واصطفاء الشيخ العالم العامل، عند ذلك يأتي حسن الظن مع حسن الاختيار.

وفي إشارة المصنف رحمه الله إلى البركة في العلم تنبيه لطيف، يغفل عنه كثير من الشيوخ والطلبة، فإن البركة تزيد في العلم وتنميه، وترسخه وتقويه، فلا ينساه صاحبه، ويعمل بما فيه، ويعلمه الله سواه.

لأن كثيرًا منهم يعتمد على قدرته وحوله وحفظه ونشاطه ومذاكرته، ويغفل عن الله عزّ وجلّ إن لم يهبه البركة في علمه وتعليمه، فكل ذلك إلى ضياع.

وإن الناظر إلى حال الناس اليوم ليرى أن البركة قد انتزعت من الحلم -إلا من رحم الله وقليل ما هم- كما نزعت في الأرزاق والأقوات والأولاد والأموال والثروات والأوقات.

وإنه يخشى والله أن تكون شهادات زماننا هذا هي الآفة الكبرى لذهاب البركات من العلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


(١) المصدر السابق (٥٨٧).
(٢) دراسات في الفرق: الصوفية (٧٨) محمد العبدة وغيره.

<<  <   >  >>