للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ظهرت مخايل الذكاء والنجابة والعبقرية على الشيخ وهو صغير، فقد ذكر أن أحد علماء حلب قدم دمشق لاستطلاع حال هذا الفتى الصغير الذي وصلت شهرته في الحفظ إلى خارج دمشق، وأجرى له امتحانًا عسيرًا في الحفظ، وأعاد الامتحان، وكانت النتيجة ذكاءًا مفرطًا وحفظًا عجيبًا وذاكرة نادرة، ثم تُوِّج ذلك الامتحان بشهادة زكية حين قال: إن عاش هذا الصبي ليكونن له شأن عظيم، فإن هذا لم ير مثله (١)! ! ! .

وقد تحققت توقعات هذا الشيخ -وتوقعات كثيرين معه في هذا المجال- وصار لذلك الفتي الصغير شأن وأي شأن، وصدق الله حيث يقول: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦].

ولقد عرف شيخ الإسلام وهو صغير الدعوة إلى الله عزّ وجلّ، ومن ذلك ما ذكر من إسلام يهودي على يديه، حيث كان يمر به ويثير عليه أسئلة وشبهات، وكان شيخ الإسلام يجيب عنها مع صغر سنه (٢).

ولقد برع شيخ الإسلام في كافة العلوم كالفقه والأصول، والتفسير وعلوم القرآن، والتوحيد والفرق والأديان والنحل، والحديث وعلومه، واللغة والبلاغة والأدب والشعر، والفلسفة والمنطق وعلم الكلام، والتاريخ وأيام الناس، بل إنه ليضرب بنصيب وافر في علم الحساب، والهندسة، والجبر والمقابلة، والفلك، والطب، والكيمياء، والجغرافيا، وغيرها من العلوم (٣).


(١) العقود الدرية (٥).
(٢) الأعلام العلية (١٧).
(٣) العقود الدرية (٤، ٧)، الأعلام العلية (١٨)، الذيل على طبقات الحنابلة (٢/ ٣٨٨)، شذرات الذهب (٨/ ١٤٣)، ومن ذلك على جل المثال إجابته رحمه الله شعرًا على اللغز الذي نظمه الشيخ رشيد الفارقي في عشرين بيتًا، حيث أجاب بنحو مائة بيت -وهو في العشرين من العمر- وجاء في هذه الإجابة ما يلي:
العلم لفظ ذو ثلاثة أحرف ... وهجاء كلٍ مثلُ ما مجموعه
فإذا يكون مركبًا من تسعة ... جذرًا لها فانظر إلى تربيعه
ومربعًا ساواه جذر حسابه ... ومثلثًا بحدوده وضلوعه
إلى أن قال: =

<<  <   >  >>