للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعمالكم المثبتة شيئاً، أي في هذه الحال، فإنه لو أراد (١) طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم، لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم، إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به فإذا قيل لهم: المطيع (٢) يثاب والمراد به المؤمن الذين يعرف أنه مؤمن لم تكن (٣) فيه فائدة جديدة.

وأيضاً فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم لما يدخل الإيمان (٤) في قلوبهم، وقيل لهم: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} فلو لم يكونوا في هذه الحال [مثابين] (٥) على طاعة الله ورسوله، لكان خلاف مدلول الخطاب، وبين (٦) ذلك أنه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} وهذا نعت المحقق للإيمان (٧)، لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)} [الأنفال: ٢ - ٣].

وقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: ٦٢].

ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. . " وأمثال ذلك.

فدل البيان (٨) على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب هو هذا


(١) في (ط): "أرادوا".
(٢) في (ط): "المطاع".
(٣) في (م) و (ط): "يكن".
(٤) ليست في (ط).
(٥) في نسخة الأصل: "مثابون" والصحيح ما أثبتناه من (م) و (ط).
(٦) في (م) و (ط): "فبين".
(٧) في (ط): "محقق الإيمان".
(٨) أطال المصنف رحمه الله تعالى في "الإيمان الكبير" (١٨٧ - ٢٠٠) الكلام على هذه الآية الكريمة، وذكر أقوال المفسرين فيها، وما روي في أسباب نزولها، والاستدلال بها على التفريق بين الإسلام والإيمان.

<<  <   >  >>