للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهؤلاء يرد عليهم بمثل ما ردوا به على الخوارج، فيقال لهم: كما أنهم قسموا الناس إلى مؤمن لا ذنب له، وكافر لا حسنة له، قسمتم الناس إلى مؤمن لا ذنب له، وإلى كافر وفاسق لا حسنة له، فلو كانت حسنات هذا كلها حابطة (١) وهو مخلد في النار [لاستحق] (٢) المعاداة المحضة بالقتل والاسترقاق، كما يستحقها المرتد، فإن هذا قد أظهر دينه بخلاف المنافق.

وقد قال الله في كتابه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ١١٦] فجعل ما دون الشرك (٣) معلقاً بمشيئة.

ولا يجوز أن يحمل هذا على التائب فإن التائب لا فرق في حقه بين الشرك وغيره.

كما قال تعالى في الآية الأخرى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] فهنا عمَّ (٤) وأطلق لأن المراد به التائب، وهناك خص وعلَّق.

وقال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥)} [فاطر: ٣٢ - ٣٥].

فقد قسم [الله] (٥) سبحانه الأمة التي أورثها الكتاب، واصطفاها ثلاثة


= الخمسة المشهورة، وهو أنه لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين منزلتين، وذكر الشهرستاني أن المعتزلة اتفقوا على خلود صاحب الكبيرة في النار لكن يكون عذابه أخف من عذاب الكافر. الملل والنحل (٥).
(١) في (م)، (ط) "محبطة".
(٢) في نسخة الأصل: لا يستحق، والتصحيح من (م)، (ط).
(٣) في (ط): "ما دون ذلك الشرك".
(٤) في (م)، (ط): "عمم".
(٥) لفظ الجلالة مضاف من (م).

<<  <   >  >>