للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتقبل الله منه عملاً، فلا تكون (١) له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان، فلا يكون معه إيمان فيستحق (٢) الخلود [في النار] (٣).

وقد أجابتهم المرجئة بأن المراد بالمتقين: من يتقي الكفر، فقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥)} [القمر: ٥٤، ٥٥].

وأيضًا فابنا آدم حين قربا قرباناً، لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد ذلك، إذ لو كان كافراً لم يتقرب.

وأيضًا فما زال السلف يخافون من هذه الآية، ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا، وأيضاً فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر، لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز حمله عليه.

والجواب الصحيح: أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل، كما قال الفضيل بن عياض (٤) في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ


= يقولون: لا تقبل إلا ممن اتقاه في ذلك العمل ففعله كما أمر به خالصاً لوجه الله تعالى" ثم أفاض رحمه الله في تقرير هذه القضية.
كما توسَّع في هذه القضية أيضاً قبل ذلك، وأبطل مذهب المرجئة وأطال في الاستدلال لذلك من الكتاب العزيز، وأورد حجج المرجئة التى وافقوا فيها أهل السنة في الرد على ما ذهب إليه المعتزلة والخوارج في هذا المقام، وهذه سمة ظاهرة من أبرز سمات شيخ الإسلام رحمه الله حيث ينقض هذه المذاهب ببعضها، ويبطل حجج مذهب بحجج مذهب آخر، وقال بعد ذلك (٥/ ٣٨٦): "وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة، وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين، وأهل السنة والحديث وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء. . " وما بعدها.
(١) في (م) و (ط): "يكون".
(٢) في نسخة الأصل: يستحق.
(٣) هذه ساقطة من نسخة الأصل.
(٤) هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي الخرساني نعته الذهبي بشيخ الإسلام، من سادات العلماء زهداً وورعاً وعبادة، ومن أئمة أهل الحديث، ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم، ثم جاور في مكة، له مواعظ وحكم كثيرة، توفي بمكة سنة ١٨٧ هـ.
التاريخ الكبير (٧/ ١٢٣)، التاريخ الصغير (٢/ ٢٤١)، الجرح والتعديل (٧/ ٣٧)، حلية الأولياء (٨/ ٨٤)، سير أعلام النبلاء (٧/ ٤٢١)، تذكرة الحفاظ (١/ ٢٤٥)، تهذيب التهذيب (٨/ ٢٦٤).

<<  <   >  >>